ان سيريا – حسن الفياض
إسقاط النظام السوري في سورية حلم إسرائيلي قديم يتجدد في كل لحظة وثانية تمر على منطقة الشرق الأوسط الجديد التي حاولت الإدارة الأميركية بتوجيه من جهاز المخابرات (CIA) إعادة رسم حدوده بما يخدم مصلحة الكيان الصهيوني وتقريب إعلان دولة إسرائيل الكبرى بعد وصول اليهود من كافة بقاع المعمورة إلى أرض الميعاد المزعومة.
والنظام السوري هو واحد من أربعة أنظمة متواجدة بالمنطقة وقفت بوجه الوجود الصهيوني وحاربته عسكريا وماديا ومعنويا، أما كيفية تلك الحروب التي شنت فهي معروفة وإن لم تأخذ تفاصيلها الحيز الكبير في وسائل الإعلام التي ما انفكت تتحدث بها، في الجانب المقابل عملت سلطات الاحتلال الصهيوني وبشتى أنواع الطرق إلى التصدي لتلك الأنظمة بمساعدة من حليفتها الأولى الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوربي، ونجحت نوعا ما محاولات جهاز الموساد بتنفيذ خططها بالتخلص من تلك الأنظمة عبر دراسات مطولة والاستعانة بخبراء استراتيجيين في الشؤون العسكرية والأمنية وعلماء في علم النفس والاجتماع، فنجحت باستمالة النظام المصري بل ووقعت معه اتفاقية سلام التي وصفت بالضربة الموجعة للوطن العربي والقضية الفلسطينية، أما النظام العراقي وجيشه الكبير الذي كان مصدر رعب دائم في تل أبيب فقد دمر تدريجيا وفق حروب تكتيكية سار على خطاها نظام صدام حسين الحليف الأبرز والأهم لأميركا في الشرق الأوسط قبل العام 1991، فأدخل الجيش العراقي بحرب طويلة مع النظام الإيراني العدو الثالث للكيان الصهيوني، لكن المحاولات ما زالت جارية لاستهداف إيران (البعبع النووي الجديد) في المنطقة وجيشها المتسلح بأحدث أنواع الذخائر والصواريخ القادرة على دك القواعد العسكرية الأميركية في الخليج وكافة الأراضي المحتلة في فلسطين وبدقة عالية ومتناهية بعد الحصول على التقارير والخرائط اللازمة لشل النظام الصهيوني خلال دقائق معدودة إذا ما فكر بالتعدي على الحدود الإيرانية، أما العدو الأهم بين الأنظمة التي ذكرناها هو النظام السوري المتجدد بثقة عالية وهمة كبيرة الملتف شعبه حول رئيسه الشاب بشار الأسد صاحب الشعبية الأكبر بين رؤوساء المنطقة.
والخطط التي تعد وتحاك وتتجدد كل يوم ضد النظام السوري كثيرة أما ساعة التنفيذ فقد تأخرت وأجلت في بعض الأحيان حتى كانت اللحظة الحاسمة لرد الصاع صاعين لسورية بعد أن لقنت كيان العدو دروسا في القتال في 1973 والحروب النفسية التي تفنن الرئيس الراحل حافظ الأسد بشنها على الصهاينة والأميركان على حد سواء. لحظة الصفر كانت في استغلال ما سُمي ربيع الثورات العربية من أجل بث حقد المؤامرة وسمومها على سورية فطبقت على أرض الواقع أهم مرحلة منها، وفيها خاطر الكيان الصهيوني بوجوده لأن المحاولة إذا فشلت فستكون الخسائر أكبر من المتوقع وسيتم إيقاظ المارد النائم الذي سيحرق من تجرأ على المساس بسيادته.
والمؤامرة التي تشهدها سورية اليوم تنوع لاعبوها وأجهزة المخابرات المشتركة فيها وهم على الترتيب التالي:
1- جهاز الموساد الصهيوني: هو اللاعب الأساس والأول في المؤامرة ويعتبر أول من وضع أسسها عبر سنوات طوال بدأت بعد نهاية حرب تشرين 1973، تلك الحرب لم تكن الهزيمة العسكرية وحدها من تكبدها الكيان الصهيوني، بل تجاوز الأمر أكثر من ذلك لأن المخابرات السورية نجحت باختراق كافة مصادر الصهاينة عبر عميل الموساد ع.ل الذي وُصفه الدكتور سمير محمود قديح الباحث في الشؤون الأمنية والإستراتيجية بالجاسوس الذي أبكى إسرائيل، وع.ل من مواليد حيفا، تميز بذكائه وذاكرته القوية وسعة معلوماته إلى جانب فضوله في المعرفة إلى حد الجنون، تم تجنيده للجيش الصهيوني في قسم المخابرات، وكان يتقن الكثير من اللغات وخاصة اللغة العربية وتشمل اللهجة السورية والمصرية والفلسطينية، خدم في حرب 1973 في وحدة الإنذار المركزية في المخابرات العسكرية ‘أمان’، التي تعرف اليوم برقمها 200/8 ، وكانت وظيفته التنصت والتحليل، وقام بوظيفته على أكمل وجه، ولسوء حظه فإن القوات السورية سيطرت على جبل حرمون الموقع الذي يتواجد فيه هذا الضابط الصهيوني وتم أسره فيه مع عدد من الجنود الصهاينة.
أسر ع.ل كان بمثابة كنز للقيادة السورية لأن هذا الشخص يمتلك معلومات كثيرة وقيمة قام بالإدلاء بها بشكل كامل وكبير حتى تعجب ضباط المخابرات السورية لكم المعلومات التي يمكن أن توجد في عقل إنسان واحد، والحديث عن الخسائر من ذلك النجاح المخابراتي السوري آثاره قائمة إلى يومنا هذا ويعاني منها كيان العدو بالنظر إلى الموسوعة الهائلة في المعلومات المسربة حول الجيش الصهيوني وأسلحته ومكامن الضعف والقوة في الكيان المريض، فهذه الهزيمة لجهاز الموساد رسخت نية الثأر من غريمه جهاز المخابرات السوري إضافة إلى الأسباب التي ذكرت أعلاه.
2- وكالة المخابرات الأميركية (CIA): هي اللاعب الثاني في المؤامرة على سورية ويقال إنها من بدأت بكتابة الخطط وطرق تنفيذها على الأرض عبر اتصالاتها المهمة مع حركة الأخوان المسلمين السورية في حماة عام 1980 وتم تنفيذ ذلك المخطط بعد عامين، لكنه فشل بشكل ذريع حاولت بعده أميركا دراسة أسباب ذلك الفشل والانهيار السريع لخطة ضرب النظام السوري من الداخل، وبعد فترة من التحليلات والمناقشات والاستعانة بأكثر الخبراء الأميركيين بشؤون الشرق الأدنى، تم إسناد المهمة أكثر الأشخاص كفاءة في الوكالة والتحالف مع عملائهم في الشرق الأوسط.
3- جهاز المخابرات السعودي: بعد سنوات طويلة من خدمة بندر بن سلطان في الولايات المتحدة وإثباته لنواياها الصادقة تجاه خدمة الكيان الصهيوني وعمالته للغرب، عاد إلى وطنه وأسس فرعا خاصا له في جهاز المخابرات السعودي تحت إشرافه وتعليماته، ظل لفترة طويلة في خدمة تنظيم القاعدة وديمومته في المنطقة وتمويله ماديا وعسكريا وبشريا بعناصر إرهابية متطرفة تحمل فكر مدرسة محمد عبد الوهاب، وأطلق عليه الأب الروحي لتنظيم القاعدة والهدف الأبرز له كان العراق بعد سقوط نظامه ودخول قوات الاحتلال إلى داخل أراضيه، وبندر بن سلطان كان المسؤول الأول عن تنفيذ خطط القاعدة في العراق ونجح بشكل متعثر في إيقاظ أوار حرب طائفية بين العراقيين الذين نجحوا فيما بعد بالتصدي لها رغم أنهم مازالوا يعانون من نتائجها الملموسة على الساحة، وانتقل بندر فيما بعد لتنفيذ المخطط الصهيوأميركي في محاولة لتدمير العدو الأبرز للكيان الصهيوني ألا وهو الجمهورية العربية السورية.
4- فرع المعلومات اللبناني: مديره هو وسام الحسن وقال عنه رئيس جهاز الموساد السابق داني ياتوم بأن الحسن (صاحب عقلية شيطانية فذة)، وكانت وظيفة فرع المعلومات هي التحضير لشن حرب مخابراتية ضد النظام السوري لأضعافه قبل أن يشم أنفاسه والتصدي لأي عدوان خارجي يفرض عليه.
ومرت الأيام والخطط مستمرة ضد سورية حتى حان الوقت للنيل من المارد السوري، وكثيرون تساءلوا عن الأسباب التي دفعت جيفري فيلتمان مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى لزيارة مصر بعد انهيار نظام محمد حسني مبارك وعودته مباشرة إلى بيروت ثم انطلاقه إلى الرياض واسطنبول، خصوصا أن هذا الرجل معروف من خلال المشاكل التي تلاحق أي أرض تطؤها قدماه، وقليل من المحللين حذر إلى شخص كان برفقة فيلتمان بزيارته إلى بيروت وهو إيلي خوري وبعد التدقيق والاستفسار تبين أن الأخير من الأشخاص المهمين في المخابرات الأميركية ويطلق عليه بـ (رجل السي آي أي في حرب الشائعات)، وهناك كان الدخان يتصاعد عن هجمة شرسة ستتعرض لها سورية في مقتبل الأيام، والتسريبات الأولية لها بتنفيذ مخطط أطلق عليه (حرب فيلتمان – بندر) والتي حاولت المخابرات السورية إيهام الغرب بأنها ليس لديها أي علم بشأنه رغم أن المخطط وصل إلى دمشق بعد ساعات قليلة من كتابته، والمشكلة التي كانت هنا هي قلة المعلومات الواردة وكيفية التنفيذ، حتى حانت ساعة الصفر ووجه بندر القطب الأول للمخطط أتباعه من تنظيم القاعدة في العراق وفتح الإسلام وعصبة الأنصار والحركة السلفية الجهادية في لبنان بالهجرة إلى سورية وزرع خلايا نائمة مستعدة للانفجار في أية لحظة طلب منها ذلك، وفعلا وصلت تلك المجاميع المتطرفة إلى عدد من المدن السورية مستغلة بعض ضعاف النفوس من الذين لا يملكون ثقافة ولا شخصية تمنعهم من الالتحاق بالتطرف والإرهاب، وتولى فرع المعلومات التابع لتيار الحريري عملية نقل الأسلحة من داخل الأراضي اللبنانية عبر الحدود والبحر إلى سورية بالاستفادة من خبرة وسام الحسن في صراعه مع السوريين التي امتدت لسنوات طويلة، أما السعودية فمهامها تعددت وتنوعت عن طريق فرع المخابرات الذي يقوده بندر بن سلطان، فأنشأت خلية أزمة تدير الأمور بأدق التفاصيل وتمت الاستعانة بوكالة المخابرات الأميركية التي هيأت أكثر من مائة وخمسين عالما نفسيا لتحليل ودراسة أدق التفاصيل، ووصل الأمر إلى وضع دراسة كل منطقة سورية على انفراد والعوامل النفسية لساكنيها وأبرز الطرق لتحفيزهم بشكل جماعي وسريع لتوجيه ضربة سريعة لا تستطيع القيادة السورية السيطرة على امتداداتها، وتم اختيار الأراضي الأردنية وجهاز المخابرات الأردني ذو التدريب البريطاني المعروف عنه قوته الأمنية والمعلوماتية وخبرته العسكرية ولا ننسى بأن العائلة الحاكمة في الأردن ذات ميول غربية وتاريخها يشهد بذلك ونذكر جميعا حينما وصِف الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال بلقب (مستر بيف) قيل عنه بأنه رجل المخابرات البريطانية ويتجسس على الأردن، وفعلا تعاونت مخابرات الأردن بشكل كبير مع حلفائها من أجل أضعاف سورية، ومن التفاصيل الواردة بأن خلية كاملة لديها خبرة في الانترنت وصفحات الفيس بووك أنشأت في شركة دوت آند كوم التي يديرها العراقي محمد القيسي وتمويلها بشكل رئيسي في المملكة العربية السعودية ووصلت الشعارات المسيئة للقيادة السورية من قبل إيلي خوري إلى هذه الخلية المجهزة بكل ما تحتاجه لبدء حرب فيلتمان-بندر الإعلامية والنفسية على السوريين والتحريض على بدء حرب طائفية في المجتمع السوري المتماسك والمتآلف فيما بين مكوناته.
بدأت الأسلحة تتدفق إلى الأراضي السورية من عدة محاور، المحور الأهم كان عن طريق البحر من أجل إيصال تلك الأسلحة إلى مدينة بانياس السورية التابعة لمحافظة طرطوس بعد وصول العناصر المتطرفة إليها وعلى رأسها زياد الجراح العضو البارز في تنظيم القاعدة والمتهم بالمشاركة في هجوم نيويورك في 2001، وسبب اختياره يعود لأن عمه هو جمال الجراح النائب في البرلمان اللبناني عن تيار المستقبل الذي وصل إلى البرلمان في العام 2005، وتم التنسيق مع عكاب صقر القيادي الآخر في تيار الحريري وتحدثت بعض الأخبار عن مشاهدته في بانياس في الأيام الأولى للمؤامرة، أما المحور الثاني لإدخال الأسلحة عبر بعض الثغرات في الحدود اللبنانية السورية من جهة والحدود العراقية والأردنية من جهة أخرى، خصوصا أن معقل تنظيم القاعدة وأوج ازدهاره كان في المنطقة الغربية من العراق قبل أن يطرده أبناء العشائر منها رغم أن بعض الجيوب ما زالت نائمة، وبتوفير العناصر المادية والبشرية والخطط الجاهزة كان المتوقع فترة أسبوعين لانهيار القيادة السورية وأجهزتها الأمنية إذا ما تعرضت لهجمات نفسية وإعلامية وبتحريك عناصر الداخل التي أخذت مواقعها وفق ما طلب منها، خصوصا أن عنصر التضليل الإعلامي تم بالاستفادة من قناة الجزيرة الوسيلة الإعلامية الأبرز في الشرق الأوسط والتي يثق العرب كثير بمصداقيتها ومهنيتها العالية ووجود شخصيات صحفية محبوبة للسوريين على وجه التحديد.
ساعة الصفر كانت بدعوات على صفحات الفيس بووك بمظاهرات مناوئة للنظام السوري في الخامس عشر من آذار في ساحة المرجة وسط دمشق وكان مخططا لتلك المظاهرة أن تدخل داخل سوق الحميدية الشعبي المكتظ بالناس خصوصا أن وسيلة التصوير هي كاميرا الهاتف النقال التي لا تستطيع أن تنقل صورة واضحة للأحداث وتحريك الهاتف أثناء التصوير لتزييف الأمور وإعطائها أكبر من حجمها، وكانت خيبة الأمل الأولى لتحالف أجهزة المخابرات حيث كان عدد المشتركين في تلك المظاهرة أربعة عشر شخصا فقط من بين ستة ملايين مواطن سوري يسكنون في دمشق تقودهم (شريفة) المعارضة السورية سهير الأتاسي، وكانت خيبة الأمل أكبر حين علم المتآمرون أن من تصدى لتلك المظاهرة هم المدنيون وقاموا بتفريقها وأطلقوا عبارات الشتم على المتظاهرين (الأربعة عشر) لإيمانهم بأنهم يحاولون زعزعة استقرار سورية وأمنها، واستمرت الحال على ما هو عليه لأربع جمع أخرى كانت تشهد تجمعات صغيرة لا يتجاوز مجموع من شارك فيها المائة، وفي ذلك ضربة قاسية لحرب فيلتمان-بندر التي انتقلت من المرحلة الأولى إلى الثانية بسرعة وهي مرحلة استخدام السلاح وتحريك المتطرفين الذين أخذوا مواقعهم بشكل صحيح، فمن جانب قام المسلحون باستهداف رجال الأمن والشرطة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة وفي الجانب الآخر استهدفت بعض المظاهرات السلمية التي خرجت في الأسابيع الأولى من شهر نيسان والتي كان المشاركون فيها يطالبون بالحرية والإصلاح، والضربة الثانية للمؤامرة على سورية أن الرئيس بشار الأسد قام في الأسبوع الأول بإصدار عدد كبير من المراسيم وصل إلى غاية هذا الأسبوع إلى عشرين مرسوما إصلاحيا، أما الضربة الثالثة كانت عن طريق نزول الجيش إلى المدن وترحيب الأهالي الذين هم من طالب بالتدخل العسكري للجيش بعد أن سيطر المسلحون على بعض المناطق وبدءوا يمنعون الناس من ممارسة حياتهم الطبيعية، أما المؤامرة التي قال عنها بندر بن سلطان بأنها ستعيد سورية إلى مرحلة العصور الوسطى وإن الرئيس الأسد سينهار خلال أيام أثبتت الأيام عكس ذلك، حيث أن سورية بدت عزيمتها أكبر وكانت التفافة الشعب حول قيادته وجيشه غير متوقعة للمتآمرين، ولم يتبقى ورقة إلا ولعبها الغرب في محاولة للنيل من صمود السوريين حتى وصل بهم الأمر إلى التلويح بضربة عسكرية على غرار الهجمة الغربية الخليجية على ليبيا، وكان رد الرئيس الأسد واضحا في حواره القصير مع التلفزيون الرسمي السوري الذي حمل رسائل مهمة بين طياته طمأنت السوريين بأن سورية تجاوزت الجزء الأهم من الأزمة ولم يبق إلا القليل، وإذا ما أراد الغرب التوجه إلى ضربة عسكرية فإن سورية ستذهب أبعد من ذلك، وابتسامة الأسد كان كافية لطمأنة السوريين من مخاوفهم.
وبين هذا وذاك كان اللاعب الأساسي والأبرز بالتصدي للهجمة الصفراء على سورية بعيدا عن الإعلام وأضواءه، ولم تستطع أجهزة المخابرات المهاجمة لسورية والمستهدفة لأمنها تضعه في الحسبان لتصورها بأن انهياره هو مسألة أيام معدودة، وذاك اللاعب هو دوائر المخابرات السورية التي أثبتت وبثقة عالية أن سنين التهدئة والهدنة في المنطقة كانت بصالحها عبر تقوية معلوماتها ومصادرها والوسائل التي تستخدمها في تنفيذها وقد ذكرنا في مقال سابق كيف كشفت أجهزة المخابرات السورية العديد من شبكات التجسس التي تعمل لصالح الكيان الصهيوني وفككتها بسرعة بالغة واستفادت من معلومات معتقليها، وطوال الشهور الخمسة الماضية كانت المخابرات السورية تلعب دور المدافع الشرس عن كل المحاولات لزعزعة الأمن والاستقرار في البلد، وبما أن وظيفة المخابرات تنقسم إلى شقين تتمثل بجمع المعلومات عن الدول وأنظمتها والكشف عن كل من يحاول التجسس لصالح دولة معادية، فإن المخابرات السورية أضافت وظيفة أخرى لهذا الجهاز الحساس وهي نقل المعركة إلى أرض الخصم، ذاك الخصم الذي لم يدرك منذ البداية أن الأزمة على سورية إن فشلت فسيكون المتضرر الأول منها هو الكيان الصهيوني الذي انقلبت شعوذته عليه بشده هذه المرة، خصوصا وإن التحذيرات الآتية من داخل تل أبيب تشير إلى أن السوريين خططوا بشكل جيد لنقل الصراع عبر مراحل ثلاث من الداخل السوري إلى داخل الكيان المغتصب، والانتقادات كثيرة اليوم في تل أبيب للمؤامرة على سورية وخوف الصهاينة من غضب السوريين، وإلى الآن فإن المخابرات السورية وبالاستعانة بترسانة المعلومات الاستخبار ية التي تمتلكها بدأت حربا نفسيا متطورة جدا جعلت عددا لا يستهان به من الصهاينة يفكرون بالهجرة العكسية إلى دولهم الأصلية التي هاجروا منها إلى فلسطين، وهذه الحرب النفسية التي تقوم بها المخابرات السورية أربكت النظام الصهيوني بطريقة سريعة وغيرت من خططه السياسية والعسكرية رغم التكتم الإعلامي على هذه المسألة، والمخاوف واضحة في وسائل الإعلام الصهيونية من أن يقوم جيش الاحتلال بشن حرب جديدة على لبنان في سبتمبر المقبل قبيل تقديم طلب إعلان دولة فلسطين إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ذلك العدوان الذي رسمت مخططاته مع بدء المؤامرة على سورية للفت الانتباه في لبنان وتشتيته عن سورية، لكن الذي لم يكن بالحسبان أن المخابرات السورية كشفت ذلك واتخذت الإجراءات اللازمة للتصدي للمؤامرة وبدأت بحرب نفسية شرسة على الكيان الصهيوني وباتت على مشارف تل أبيب كما حذر داني ياتوم رئيس جهاز المخابرات الصهيونية (الموساد) الأسبق في مؤتمر بأكاديمية “نتنيا” الصهيوني، وتوقع أن تنشأ حرب إقليمية جديدة يكون أحد أقطابها مصر بعد سقوط نظام مبارك ونجاح الدبلوماسية السورية بإعادة الدفء إلى العلاقات السورية المصرية التي توترت في حقبة مبارك، وكانت الضربة الموجعة للصهاينة بزيارة مبعوث المجلس العسكري المصري إلى دمشق قبل شهرين.
إذا .. استيقظ المارد السوري وخرج من المؤامرة والمخططات التي حيكت له عبر سنوات طوال، وأصبح جيشه عسكريا قادرا على صد أي هجوم وأدرك العالم بأن السياسة السورية اليوم أقوى من أي وقت مضى، أما المخابرات السورية التي ستدرس أساليبها في الأعوام المقبلة كانت لاعبا مهما في نقل المعركة إلى أرض الخصوم وما ذكر عنها نقطة في بحر، وما خفي كان أعظم، وعلى الكيان الصهيوني ومن تحالف معه التحضير إلى مرحلة جديدة لم تكن بحسبانهم، وهي الانتقال إلى مرحلة الدفاع بعد فشل هجومهم بهزيمة كبرى وانهزمت المؤامرة مثلما هزم السوريون الفرنسيين سابقا من ربوع سورية.
إسقاط النظام السوري في سورية حلم إسرائيلي قديم يتجدد في كل لحظة وثانية تمر على منطقة الشرق الأوسط الجديد التي حاولت الإدارة الأميركية بتوجيه من جهاز المخابرات (CIA) إعادة رسم حدوده بما يخدم مصلحة الكيان الصهيوني وتقريب إعلان دولة إسرائيل الكبرى بعد وصول اليهود من كافة بقاع المعمورة إلى أرض الميعاد المزعومة.
والنظام السوري هو واحد من أربعة أنظمة متواجدة بالمنطقة وقفت بوجه الوجود الصهيوني وحاربته عسكريا وماديا ومعنويا، أما كيفية تلك الحروب التي شنت فهي معروفة وإن لم تأخذ تفاصيلها الحيز الكبير في وسائل الإعلام التي ما انفكت تتحدث بها، في الجانب المقابل عملت سلطات الاحتلال الصهيوني وبشتى أنواع الطرق إلى التصدي لتلك الأنظمة بمساعدة من حليفتها الأولى الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوربي، ونجحت نوعا ما محاولات جهاز الموساد بتنفيذ خططها بالتخلص من تلك الأنظمة عبر دراسات مطولة والاستعانة بخبراء استراتيجيين في الشؤون العسكرية والأمنية وعلماء في علم النفس والاجتماع، فنجحت باستمالة النظام المصري بل ووقعت معه اتفاقية سلام التي وصفت بالضربة الموجعة للوطن العربي والقضية الفلسطينية، أما النظام العراقي وجيشه الكبير الذي كان مصدر رعب دائم في تل أبيب فقد دمر تدريجيا وفق حروب تكتيكية سار على خطاها نظام صدام حسين الحليف الأبرز والأهم لأميركا في الشرق الأوسط قبل العام 1991، فأدخل الجيش العراقي بحرب طويلة مع النظام الإيراني العدو الثالث للكيان الصهيوني، لكن المحاولات ما زالت جارية لاستهداف إيران (البعبع النووي الجديد) في المنطقة وجيشها المتسلح بأحدث أنواع الذخائر والصواريخ القادرة على دك القواعد العسكرية الأميركية في الخليج وكافة الأراضي المحتلة في فلسطين وبدقة عالية ومتناهية بعد الحصول على التقارير والخرائط اللازمة لشل النظام الصهيوني خلال دقائق معدودة إذا ما فكر بالتعدي على الحدود الإيرانية، أما العدو الأهم بين الأنظمة التي ذكرناها هو النظام السوري المتجدد بثقة عالية وهمة كبيرة الملتف شعبه حول رئيسه الشاب بشار الأسد صاحب الشعبية الأكبر بين رؤوساء المنطقة.
والخطط التي تعد وتحاك وتتجدد كل يوم ضد النظام السوري كثيرة أما ساعة التنفيذ فقد تأخرت وأجلت في بعض الأحيان حتى كانت اللحظة الحاسمة لرد الصاع صاعين لسورية بعد أن لقنت كيان العدو دروسا في القتال في 1973 والحروب النفسية التي تفنن الرئيس الراحل حافظ الأسد بشنها على الصهاينة والأميركان على حد سواء. لحظة الصفر كانت في استغلال ما سُمي ربيع الثورات العربية من أجل بث حقد المؤامرة وسمومها على سورية فطبقت على أرض الواقع أهم مرحلة منها، وفيها خاطر الكيان الصهيوني بوجوده لأن المحاولة إذا فشلت فستكون الخسائر أكبر من المتوقع وسيتم إيقاظ المارد النائم الذي سيحرق من تجرأ على المساس بسيادته.
والمؤامرة التي تشهدها سورية اليوم تنوع لاعبوها وأجهزة المخابرات المشتركة فيها وهم على الترتيب التالي:
1- جهاز الموساد الصهيوني: هو اللاعب الأساس والأول في المؤامرة ويعتبر أول من وضع أسسها عبر سنوات طوال بدأت بعد نهاية حرب تشرين 1973، تلك الحرب لم تكن الهزيمة العسكرية وحدها من تكبدها الكيان الصهيوني، بل تجاوز الأمر أكثر من ذلك لأن المخابرات السورية نجحت باختراق كافة مصادر الصهاينة عبر عميل الموساد ع.ل الذي وُصفه الدكتور سمير محمود قديح الباحث في الشؤون الأمنية والإستراتيجية بالجاسوس الذي أبكى إسرائيل، وع.ل من مواليد حيفا، تميز بذكائه وذاكرته القوية وسعة معلوماته إلى جانب فضوله في المعرفة إلى حد الجنون، تم تجنيده للجيش الصهيوني في قسم المخابرات، وكان يتقن الكثير من اللغات وخاصة اللغة العربية وتشمل اللهجة السورية والمصرية والفلسطينية، خدم في حرب 1973 في وحدة الإنذار المركزية في المخابرات العسكرية ‘أمان’، التي تعرف اليوم برقمها 200/8 ، وكانت وظيفته التنصت والتحليل، وقام بوظيفته على أكمل وجه، ولسوء حظه فإن القوات السورية سيطرت على جبل حرمون الموقع الذي يتواجد فيه هذا الضابط الصهيوني وتم أسره فيه مع عدد من الجنود الصهاينة.
أسر ع.ل كان بمثابة كنز للقيادة السورية لأن هذا الشخص يمتلك معلومات كثيرة وقيمة قام بالإدلاء بها بشكل كامل وكبير حتى تعجب ضباط المخابرات السورية لكم المعلومات التي يمكن أن توجد في عقل إنسان واحد، والحديث عن الخسائر من ذلك النجاح المخابراتي السوري آثاره قائمة إلى يومنا هذا ويعاني منها كيان العدو بالنظر إلى الموسوعة الهائلة في المعلومات المسربة حول الجيش الصهيوني وأسلحته ومكامن الضعف والقوة في الكيان المريض، فهذه الهزيمة لجهاز الموساد رسخت نية الثأر من غريمه جهاز المخابرات السوري إضافة إلى الأسباب التي ذكرت أعلاه.
2- وكالة المخابرات الأميركية (CIA): هي اللاعب الثاني في المؤامرة على سورية ويقال إنها من بدأت بكتابة الخطط وطرق تنفيذها على الأرض عبر اتصالاتها المهمة مع حركة الأخوان المسلمين السورية في حماة عام 1980 وتم تنفيذ ذلك المخطط بعد عامين، لكنه فشل بشكل ذريع حاولت بعده أميركا دراسة أسباب ذلك الفشل والانهيار السريع لخطة ضرب النظام السوري من الداخل، وبعد فترة من التحليلات والمناقشات والاستعانة بأكثر الخبراء الأميركيين بشؤون الشرق الأدنى، تم إسناد المهمة أكثر الأشخاص كفاءة في الوكالة والتحالف مع عملائهم في الشرق الأوسط.
3- جهاز المخابرات السعودي: بعد سنوات طويلة من خدمة بندر بن سلطان في الولايات المتحدة وإثباته لنواياها الصادقة تجاه خدمة الكيان الصهيوني وعمالته للغرب، عاد إلى وطنه وأسس فرعا خاصا له في جهاز المخابرات السعودي تحت إشرافه وتعليماته، ظل لفترة طويلة في خدمة تنظيم القاعدة وديمومته في المنطقة وتمويله ماديا وعسكريا وبشريا بعناصر إرهابية متطرفة تحمل فكر مدرسة محمد عبد الوهاب، وأطلق عليه الأب الروحي لتنظيم القاعدة والهدف الأبرز له كان العراق بعد سقوط نظامه ودخول قوات الاحتلال إلى داخل أراضيه، وبندر بن سلطان كان المسؤول الأول عن تنفيذ خطط القاعدة في العراق ونجح بشكل متعثر في إيقاظ أوار حرب طائفية بين العراقيين الذين نجحوا فيما بعد بالتصدي لها رغم أنهم مازالوا يعانون من نتائجها الملموسة على الساحة، وانتقل بندر فيما بعد لتنفيذ المخطط الصهيوأميركي في محاولة لتدمير العدو الأبرز للكيان الصهيوني ألا وهو الجمهورية العربية السورية.
4- فرع المعلومات اللبناني: مديره هو وسام الحسن وقال عنه رئيس جهاز الموساد السابق داني ياتوم بأن الحسن (صاحب عقلية شيطانية فذة)، وكانت وظيفة فرع المعلومات هي التحضير لشن حرب مخابراتية ضد النظام السوري لأضعافه قبل أن يشم أنفاسه والتصدي لأي عدوان خارجي يفرض عليه.
ومرت الأيام والخطط مستمرة ضد سورية حتى حان الوقت للنيل من المارد السوري، وكثيرون تساءلوا عن الأسباب التي دفعت جيفري فيلتمان مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى لزيارة مصر بعد انهيار نظام محمد حسني مبارك وعودته مباشرة إلى بيروت ثم انطلاقه إلى الرياض واسطنبول، خصوصا أن هذا الرجل معروف من خلال المشاكل التي تلاحق أي أرض تطؤها قدماه، وقليل من المحللين حذر إلى شخص كان برفقة فيلتمان بزيارته إلى بيروت وهو إيلي خوري وبعد التدقيق والاستفسار تبين أن الأخير من الأشخاص المهمين في المخابرات الأميركية ويطلق عليه بـ (رجل السي آي أي في حرب الشائعات)، وهناك كان الدخان يتصاعد عن هجمة شرسة ستتعرض لها سورية في مقتبل الأيام، والتسريبات الأولية لها بتنفيذ مخطط أطلق عليه (حرب فيلتمان – بندر) والتي حاولت المخابرات السورية إيهام الغرب بأنها ليس لديها أي علم بشأنه رغم أن المخطط وصل إلى دمشق بعد ساعات قليلة من كتابته، والمشكلة التي كانت هنا هي قلة المعلومات الواردة وكيفية التنفيذ، حتى حانت ساعة الصفر ووجه بندر القطب الأول للمخطط أتباعه من تنظيم القاعدة في العراق وفتح الإسلام وعصبة الأنصار والحركة السلفية الجهادية في لبنان بالهجرة إلى سورية وزرع خلايا نائمة مستعدة للانفجار في أية لحظة طلب منها ذلك، وفعلا وصلت تلك المجاميع المتطرفة إلى عدد من المدن السورية مستغلة بعض ضعاف النفوس من الذين لا يملكون ثقافة ولا شخصية تمنعهم من الالتحاق بالتطرف والإرهاب، وتولى فرع المعلومات التابع لتيار الحريري عملية نقل الأسلحة من داخل الأراضي اللبنانية عبر الحدود والبحر إلى سورية بالاستفادة من خبرة وسام الحسن في صراعه مع السوريين التي امتدت لسنوات طويلة، أما السعودية فمهامها تعددت وتنوعت عن طريق فرع المخابرات الذي يقوده بندر بن سلطان، فأنشأت خلية أزمة تدير الأمور بأدق التفاصيل وتمت الاستعانة بوكالة المخابرات الأميركية التي هيأت أكثر من مائة وخمسين عالما نفسيا لتحليل ودراسة أدق التفاصيل، ووصل الأمر إلى وضع دراسة كل منطقة سورية على انفراد والعوامل النفسية لساكنيها وأبرز الطرق لتحفيزهم بشكل جماعي وسريع لتوجيه ضربة سريعة لا تستطيع القيادة السورية السيطرة على امتداداتها، وتم اختيار الأراضي الأردنية وجهاز المخابرات الأردني ذو التدريب البريطاني المعروف عنه قوته الأمنية والمعلوماتية وخبرته العسكرية ولا ننسى بأن العائلة الحاكمة في الأردن ذات ميول غربية وتاريخها يشهد بذلك ونذكر جميعا حينما وصِف الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال بلقب (مستر بيف) قيل عنه بأنه رجل المخابرات البريطانية ويتجسس على الأردن، وفعلا تعاونت مخابرات الأردن بشكل كبير مع حلفائها من أجل أضعاف سورية، ومن التفاصيل الواردة بأن خلية كاملة لديها خبرة في الانترنت وصفحات الفيس بووك أنشأت في شركة دوت آند كوم التي يديرها العراقي محمد القيسي وتمويلها بشكل رئيسي في المملكة العربية السعودية ووصلت الشعارات المسيئة للقيادة السورية من قبل إيلي خوري إلى هذه الخلية المجهزة بكل ما تحتاجه لبدء حرب فيلتمان-بندر الإعلامية والنفسية على السوريين والتحريض على بدء حرب طائفية في المجتمع السوري المتماسك والمتآلف فيما بين مكوناته.
بدأت الأسلحة تتدفق إلى الأراضي السورية من عدة محاور، المحور الأهم كان عن طريق البحر من أجل إيصال تلك الأسلحة إلى مدينة بانياس السورية التابعة لمحافظة طرطوس بعد وصول العناصر المتطرفة إليها وعلى رأسها زياد الجراح العضو البارز في تنظيم القاعدة والمتهم بالمشاركة في هجوم نيويورك في 2001، وسبب اختياره يعود لأن عمه هو جمال الجراح النائب في البرلمان اللبناني عن تيار المستقبل الذي وصل إلى البرلمان في العام 2005، وتم التنسيق مع عكاب صقر القيادي الآخر في تيار الحريري وتحدثت بعض الأخبار عن مشاهدته في بانياس في الأيام الأولى للمؤامرة، أما المحور الثاني لإدخال الأسلحة عبر بعض الثغرات في الحدود اللبنانية السورية من جهة والحدود العراقية والأردنية من جهة أخرى، خصوصا أن معقل تنظيم القاعدة وأوج ازدهاره كان في المنطقة الغربية من العراق قبل أن يطرده أبناء العشائر منها رغم أن بعض الجيوب ما زالت نائمة، وبتوفير العناصر المادية والبشرية والخطط الجاهزة كان المتوقع فترة أسبوعين لانهيار القيادة السورية وأجهزتها الأمنية إذا ما تعرضت لهجمات نفسية وإعلامية وبتحريك عناصر الداخل التي أخذت مواقعها وفق ما طلب منها، خصوصا أن عنصر التضليل الإعلامي تم بالاستفادة من قناة الجزيرة الوسيلة الإعلامية الأبرز في الشرق الأوسط والتي يثق العرب كثير بمصداقيتها ومهنيتها العالية ووجود شخصيات صحفية محبوبة للسوريين على وجه التحديد.
ساعة الصفر كانت بدعوات على صفحات الفيس بووك بمظاهرات مناوئة للنظام السوري في الخامس عشر من آذار في ساحة المرجة وسط دمشق وكان مخططا لتلك المظاهرة أن تدخل داخل سوق الحميدية الشعبي المكتظ بالناس خصوصا أن وسيلة التصوير هي كاميرا الهاتف النقال التي لا تستطيع أن تنقل صورة واضحة للأحداث وتحريك الهاتف أثناء التصوير لتزييف الأمور وإعطائها أكبر من حجمها، وكانت خيبة الأمل الأولى لتحالف أجهزة المخابرات حيث كان عدد المشتركين في تلك المظاهرة أربعة عشر شخصا فقط من بين ستة ملايين مواطن سوري يسكنون في دمشق تقودهم (شريفة) المعارضة السورية سهير الأتاسي، وكانت خيبة الأمل أكبر حين علم المتآمرون أن من تصدى لتلك المظاهرة هم المدنيون وقاموا بتفريقها وأطلقوا عبارات الشتم على المتظاهرين (الأربعة عشر) لإيمانهم بأنهم يحاولون زعزعة استقرار سورية وأمنها، واستمرت الحال على ما هو عليه لأربع جمع أخرى كانت تشهد تجمعات صغيرة لا يتجاوز مجموع من شارك فيها المائة، وفي ذلك ضربة قاسية لحرب فيلتمان-بندر التي انتقلت من المرحلة الأولى إلى الثانية بسرعة وهي مرحلة استخدام السلاح وتحريك المتطرفين الذين أخذوا مواقعهم بشكل صحيح، فمن جانب قام المسلحون باستهداف رجال الأمن والشرطة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة وفي الجانب الآخر استهدفت بعض المظاهرات السلمية التي خرجت في الأسابيع الأولى من شهر نيسان والتي كان المشاركون فيها يطالبون بالحرية والإصلاح، والضربة الثانية للمؤامرة على سورية أن الرئيس بشار الأسد قام في الأسبوع الأول بإصدار عدد كبير من المراسيم وصل إلى غاية هذا الأسبوع إلى عشرين مرسوما إصلاحيا، أما الضربة الثالثة كانت عن طريق نزول الجيش إلى المدن وترحيب الأهالي الذين هم من طالب بالتدخل العسكري للجيش بعد أن سيطر المسلحون على بعض المناطق وبدءوا يمنعون الناس من ممارسة حياتهم الطبيعية، أما المؤامرة التي قال عنها بندر بن سلطان بأنها ستعيد سورية إلى مرحلة العصور الوسطى وإن الرئيس الأسد سينهار خلال أيام أثبتت الأيام عكس ذلك، حيث أن سورية بدت عزيمتها أكبر وكانت التفافة الشعب حول قيادته وجيشه غير متوقعة للمتآمرين، ولم يتبقى ورقة إلا ولعبها الغرب في محاولة للنيل من صمود السوريين حتى وصل بهم الأمر إلى التلويح بضربة عسكرية على غرار الهجمة الغربية الخليجية على ليبيا، وكان رد الرئيس الأسد واضحا في حواره القصير مع التلفزيون الرسمي السوري الذي حمل رسائل مهمة بين طياته طمأنت السوريين بأن سورية تجاوزت الجزء الأهم من الأزمة ولم يبق إلا القليل، وإذا ما أراد الغرب التوجه إلى ضربة عسكرية فإن سورية ستذهب أبعد من ذلك، وابتسامة الأسد كان كافية لطمأنة السوريين من مخاوفهم.
وبين هذا وذاك كان اللاعب الأساسي والأبرز بالتصدي للهجمة الصفراء على سورية بعيدا عن الإعلام وأضواءه، ولم تستطع أجهزة المخابرات المهاجمة لسورية والمستهدفة لأمنها تضعه في الحسبان لتصورها بأن انهياره هو مسألة أيام معدودة، وذاك اللاعب هو دوائر المخابرات السورية التي أثبتت وبثقة عالية أن سنين التهدئة والهدنة في المنطقة كانت بصالحها عبر تقوية معلوماتها ومصادرها والوسائل التي تستخدمها في تنفيذها وقد ذكرنا في مقال سابق كيف كشفت أجهزة المخابرات السورية العديد من شبكات التجسس التي تعمل لصالح الكيان الصهيوني وفككتها بسرعة بالغة واستفادت من معلومات معتقليها، وطوال الشهور الخمسة الماضية كانت المخابرات السورية تلعب دور المدافع الشرس عن كل المحاولات لزعزعة الأمن والاستقرار في البلد، وبما أن وظيفة المخابرات تنقسم إلى شقين تتمثل بجمع المعلومات عن الدول وأنظمتها والكشف عن كل من يحاول التجسس لصالح دولة معادية، فإن المخابرات السورية أضافت وظيفة أخرى لهذا الجهاز الحساس وهي نقل المعركة إلى أرض الخصم، ذاك الخصم الذي لم يدرك منذ البداية أن الأزمة على سورية إن فشلت فسيكون المتضرر الأول منها هو الكيان الصهيوني الذي انقلبت شعوذته عليه بشده هذه المرة، خصوصا وإن التحذيرات الآتية من داخل تل أبيب تشير إلى أن السوريين خططوا بشكل جيد لنقل الصراع عبر مراحل ثلاث من الداخل السوري إلى داخل الكيان المغتصب، والانتقادات كثيرة اليوم في تل أبيب للمؤامرة على سورية وخوف الصهاينة من غضب السوريين، وإلى الآن فإن المخابرات السورية وبالاستعانة بترسانة المعلومات الاستخبار ية التي تمتلكها بدأت حربا نفسيا متطورة جدا جعلت عددا لا يستهان به من الصهاينة يفكرون بالهجرة العكسية إلى دولهم الأصلية التي هاجروا منها إلى فلسطين، وهذه الحرب النفسية التي تقوم بها المخابرات السورية أربكت النظام الصهيوني بطريقة سريعة وغيرت من خططه السياسية والعسكرية رغم التكتم الإعلامي على هذه المسألة، والمخاوف واضحة في وسائل الإعلام الصهيونية من أن يقوم جيش الاحتلال بشن حرب جديدة على لبنان في سبتمبر المقبل قبيل تقديم طلب إعلان دولة فلسطين إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ذلك العدوان الذي رسمت مخططاته مع بدء المؤامرة على سورية للفت الانتباه في لبنان وتشتيته عن سورية، لكن الذي لم يكن بالحسبان أن المخابرات السورية كشفت ذلك واتخذت الإجراءات اللازمة للتصدي للمؤامرة وبدأت بحرب نفسية شرسة على الكيان الصهيوني وباتت على مشارف تل أبيب كما حذر داني ياتوم رئيس جهاز المخابرات الصهيونية (الموساد) الأسبق في مؤتمر بأكاديمية “نتنيا” الصهيوني، وتوقع أن تنشأ حرب إقليمية جديدة يكون أحد أقطابها مصر بعد سقوط نظام مبارك ونجاح الدبلوماسية السورية بإعادة الدفء إلى العلاقات السورية المصرية التي توترت في حقبة مبارك، وكانت الضربة الموجعة للصهاينة بزيارة مبعوث المجلس العسكري المصري إلى دمشق قبل شهرين.
إذا .. استيقظ المارد السوري وخرج من المؤامرة والمخططات التي حيكت له عبر سنوات طوال، وأصبح جيشه عسكريا قادرا على صد أي هجوم وأدرك العالم بأن السياسة السورية اليوم أقوى من أي وقت مضى، أما المخابرات السورية التي ستدرس أساليبها في الأعوام المقبلة كانت لاعبا مهما في نقل المعركة إلى أرض الخصوم وما ذكر عنها نقطة في بحر، وما خفي كان أعظم، وعلى الكيان الصهيوني ومن تحالف معه التحضير إلى مرحلة جديدة لم تكن بحسبانهم، وهي الانتقال إلى مرحلة الدفاع بعد فشل هجومهم بهزيمة كبرى وانهزمت المؤامرة مثلما هزم السوريون الفرنسيين سابقا من ربوع سورية.