لوألقينا نظرة سريعة على التاريخ الحديث للعلاقات السورية – الأميركية
فسنجدها من أكثر العلاقات المثيرة للجدل من حيث تحسنها وتأزمها في فترات
زمنية
قصيرة
جداً، فهذه العلاقة الثنائية شهدت بعد وصول الرئيس بشار الأسد إلى الحكم
تأزماً حاداً تزامن مع الإنجاز الذي حققته المقاومة في لبنان عام 2000
بتحرير غالبية الأراضي اللبناني من الإحتلال الإسرائيلي من ناحية، ومع
بداية العدوان الأميركي على أفغانستان والعراق في إطار ما أسمته "الحرب على
الإرهاب" بعد أحداث 11 أيلول من ناحية أخرى.
فالعلاقات الثنائية بين البلدين تتحكم بها عدة عوامل، إذ إنها تصعد وتهبط
بحسب أحوال السياسة الخارجية للولايات المتحدة، كما انها تصعد وتهبط بحسب
أحوال العلاقات الثنائية بين أميركا و"إسرائيل"، وبين سورية والبلدان
العربية الوثيقة الصلة بالولايات المتحدة او تلك التي تلعب أدواراً مؤثرة
في الصراع العربي الاسرائيلي. وهي تصعد وتهبط أيضاً بحسب الدور السوري في
الأحوال الإقليمية السائدة، وهو على الدوام دور مؤثر وفعال. كما أن
العلاقات السورية - الأميركية لطالما تأثرت بالأحوال الدولية السائدة، من
العلاقات الأميركية - الروسية والأميركية – الأوروبية، إلى أوضاع الحرب
والسلم التي تكون الولايات المتحدة و"إسرائيل" طرفا فيها، مثل أفغانستان
والعراق ولبنان وغيرهم.
ومنذ وصول رئيس أميركي غير متوازن، جورج بوش الإبن، وصلت العلاقات الثنائية
بين البلدين إلى حد القطيعة التامة. استكمل بـصدور القرارين 1559 و1595
واللذين كانا الإشارة الأولى في الحرب الأميركية المفتوحة على سورية وصولاً
إلى محاولة إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد عام 2005، لكن الكثيرين لم
يفهموا هذه الإشارة واعتبروا أن ارتدادات زلزال اغتيال رئيس الوزراء السابق
رفيق الحريري والذي حدث في فترة سياسية مفصلية في لبنان لن تتجاوز الحدود
اللبنانية. لكن المشروع الأميركي – الصهيوني استتبعه بمرحلة التصاعد
الدراماتيكي للأحداث على الساحة اللبنانية والإقليمية وتكرار مسلسل عمليات
الإغتيال الغامضة -التي وصفها وزير الداخلية آنذاك حسن السبع قائلاً بأن
"الأشباح" هم وراء استهداف الرموز- خاصة وأن سهام الإتهام السياسي في ذلك
الوقت كانت تصيب دمشق بشكل مباشر ويومي ومنذ اللحظة الأولى لأي عملية
اغتيال أو تفجير تهز لبنان.
المرحلة الثالثة كانت في العام 2006، تطوّر هام بعثر جميع الأوراق
الأميركية، فقد شنت "إسرائيل" حرباً ضروساً على لبنان وخرجت منها محرجة
امام اسيادها ومهزومة للمرة الأولى في تاريخها، وللمرة الأولى أيضاً انهالت
صواريخ المقاومة على الكيان الصهيوني فحوّلت صيفه إلى شتاء ماطر. صواريخ
المقاومة تلك لم تخلق فقط توازن رعب جديد في تاريخ الصراع العربي –
الإسرائيلي، لا بل أجبرت الولايات المتحدة أولاً على مراجعة حساباتها
وأرغمتها ثانياً على تبديل استراتيجيتها في وقت لاحق تجاه محور المقاومة
والممانعة.
بعدها ازداد الإحتقان الأميركي من الرئيس الأسد حيث اعتبرته مسؤولاً
مباشراً عن تضاعف قوّة حزب الله عشرات المرات، أضف إلى احتضانه قيادة
المقاومة الفلسطينية التي خاضت أشرس المعارك في غزة أواخر عام 2008 وأثبتت
أنها رقماً صعباً في المعادلة القائمة. بعد العدوان على غزة، وجدت أميركا
نفسها مضطرة لإحداث تبديل جذري في استراتيجيتها إن كان على الصعيد السياسي
أو العسكري، فكان أوباما أمام خيارين:
1- السير على خطى سلفه واستكمال ما بدأه بوش والذي أثبت عدم فعاليته.
2- إحداث تبديل نوعي في الإستراتيجية الأميركية مع الإبقاء على ثوابتها الرئيسية.
كان من الصعب اعتماد الخيار الأول في الظروف التي كانت سائدة بين عامي 2008
و2009، فلا الحروب أتت بنتيجة ولا اغتيالها مع الموساد الإسرائيلي
لقياديين في المقاومة، بل إن هزيمة الحزب الجمهوري في أميركا وخسارته
للمقعد الرئاسي منذ عهد جون كندي كان سببه بالدرجة الأولى هذا الخيار الذي
وضع الجنود الأميركيين بين فكي أفغانستان والعراق. وليس آخراً عملية اغتيال
الشهيد القائد عماد مغنية، حيث أن الأهداف الخفية من تنفيذها في دمشق كان
خلق فتنة بين سورية وحزب الله من جهة، وسورية وإيران من جهة أخرى، في
محاولة أخيرة لتفتيت هذا المحور دون الحاجة إلى حرب إسرائيلية أو أميركية
مكلفة، إلا أن المحاولة فشلت وتبددت طموحاتهم الخبيثة.
يومها اختار أوباما القفز من فوق هذا الفخ واعتمد الخيار الثاني، الذي على
ما يبدو كان كميناً محكماً نصبته الإدارة الأميركية بدهاء لمحور المقاومة
والممانعة في الشرق الأوسط، أو كما تسميها الولايات المتحدة "المنطقة
الأميركية الوسطى". للوهلة الأولى ظهر أن مشروع الشرق الأوسط الجديد قد
انتهى دون رجعة إلا أن الحسابات لم تصب، فأميركا هي نفسها التي لم ولن
تتغير لا في عهد أوباما ولا غيره، حليفتها الأولى والأخيرة "إسرائيل"
وهدفها الأساسي حماية هذا الكيان بالإضافة إلى مصالحها الاقتصادية
والسياسية الاستعمارية التي تعثرت أمام وحدة خيار المقاومة ومثلثه الفولاذي
لبنان المقاومة وسورية الممانعة وايران الصامدة. كيف يتحقق الحلم الأميركي
في الشرق الأوسط وروسيا استعادت موقعها في المنطقة وعادت لتشكل مع الصين
توازن مع القوى الغربية الكبرى. سقط الخيار الأميركي في العراق لتعود سورية
الهدف الأميركي – الصهيوني البديل في استراتيجية أحجار الدومينو
الأميركية.
نادر عز الدين
موقع قناة المنار
فسنجدها من أكثر العلاقات المثيرة للجدل من حيث تحسنها وتأزمها في فترات
زمنية
قصيرة
جداً، فهذه العلاقة الثنائية شهدت بعد وصول الرئيس بشار الأسد إلى الحكم
تأزماً حاداً تزامن مع الإنجاز الذي حققته المقاومة في لبنان عام 2000
بتحرير غالبية الأراضي اللبناني من الإحتلال الإسرائيلي من ناحية، ومع
بداية العدوان الأميركي على أفغانستان والعراق في إطار ما أسمته "الحرب على
الإرهاب" بعد أحداث 11 أيلول من ناحية أخرى.
فالعلاقات الثنائية بين البلدين تتحكم بها عدة عوامل، إذ إنها تصعد وتهبط
بحسب أحوال السياسة الخارجية للولايات المتحدة، كما انها تصعد وتهبط بحسب
أحوال العلاقات الثنائية بين أميركا و"إسرائيل"، وبين سورية والبلدان
العربية الوثيقة الصلة بالولايات المتحدة او تلك التي تلعب أدواراً مؤثرة
في الصراع العربي الاسرائيلي. وهي تصعد وتهبط أيضاً بحسب الدور السوري في
الأحوال الإقليمية السائدة، وهو على الدوام دور مؤثر وفعال. كما أن
العلاقات السورية - الأميركية لطالما تأثرت بالأحوال الدولية السائدة، من
العلاقات الأميركية - الروسية والأميركية – الأوروبية، إلى أوضاع الحرب
والسلم التي تكون الولايات المتحدة و"إسرائيل" طرفا فيها، مثل أفغانستان
والعراق ولبنان وغيرهم.
ومنذ وصول رئيس أميركي غير متوازن، جورج بوش الإبن، وصلت العلاقات الثنائية
بين البلدين إلى حد القطيعة التامة. استكمل بـصدور القرارين 1559 و1595
واللذين كانا الإشارة الأولى في الحرب الأميركية المفتوحة على سورية وصولاً
إلى محاولة إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد عام 2005، لكن الكثيرين لم
يفهموا هذه الإشارة واعتبروا أن ارتدادات زلزال اغتيال رئيس الوزراء السابق
رفيق الحريري والذي حدث في فترة سياسية مفصلية في لبنان لن تتجاوز الحدود
اللبنانية. لكن المشروع الأميركي – الصهيوني استتبعه بمرحلة التصاعد
الدراماتيكي للأحداث على الساحة اللبنانية والإقليمية وتكرار مسلسل عمليات
الإغتيال الغامضة -التي وصفها وزير الداخلية آنذاك حسن السبع قائلاً بأن
"الأشباح" هم وراء استهداف الرموز- خاصة وأن سهام الإتهام السياسي في ذلك
الوقت كانت تصيب دمشق بشكل مباشر ويومي ومنذ اللحظة الأولى لأي عملية
اغتيال أو تفجير تهز لبنان.
المرحلة الثالثة كانت في العام 2006، تطوّر هام بعثر جميع الأوراق
الأميركية، فقد شنت "إسرائيل" حرباً ضروساً على لبنان وخرجت منها محرجة
امام اسيادها ومهزومة للمرة الأولى في تاريخها، وللمرة الأولى أيضاً انهالت
صواريخ المقاومة على الكيان الصهيوني فحوّلت صيفه إلى شتاء ماطر. صواريخ
المقاومة تلك لم تخلق فقط توازن رعب جديد في تاريخ الصراع العربي –
الإسرائيلي، لا بل أجبرت الولايات المتحدة أولاً على مراجعة حساباتها
وأرغمتها ثانياً على تبديل استراتيجيتها في وقت لاحق تجاه محور المقاومة
والممانعة.
بعدها ازداد الإحتقان الأميركي من الرئيس الأسد حيث اعتبرته مسؤولاً
مباشراً عن تضاعف قوّة حزب الله عشرات المرات، أضف إلى احتضانه قيادة
المقاومة الفلسطينية التي خاضت أشرس المعارك في غزة أواخر عام 2008 وأثبتت
أنها رقماً صعباً في المعادلة القائمة. بعد العدوان على غزة، وجدت أميركا
نفسها مضطرة لإحداث تبديل جذري في استراتيجيتها إن كان على الصعيد السياسي
أو العسكري، فكان أوباما أمام خيارين:
1- السير على خطى سلفه واستكمال ما بدأه بوش والذي أثبت عدم فعاليته.
2- إحداث تبديل نوعي في الإستراتيجية الأميركية مع الإبقاء على ثوابتها الرئيسية.
كان من الصعب اعتماد الخيار الأول في الظروف التي كانت سائدة بين عامي 2008
و2009، فلا الحروب أتت بنتيجة ولا اغتيالها مع الموساد الإسرائيلي
لقياديين في المقاومة، بل إن هزيمة الحزب الجمهوري في أميركا وخسارته
للمقعد الرئاسي منذ عهد جون كندي كان سببه بالدرجة الأولى هذا الخيار الذي
وضع الجنود الأميركيين بين فكي أفغانستان والعراق. وليس آخراً عملية اغتيال
الشهيد القائد عماد مغنية، حيث أن الأهداف الخفية من تنفيذها في دمشق كان
خلق فتنة بين سورية وحزب الله من جهة، وسورية وإيران من جهة أخرى، في
محاولة أخيرة لتفتيت هذا المحور دون الحاجة إلى حرب إسرائيلية أو أميركية
مكلفة، إلا أن المحاولة فشلت وتبددت طموحاتهم الخبيثة.
يومها اختار أوباما القفز من فوق هذا الفخ واعتمد الخيار الثاني، الذي على
ما يبدو كان كميناً محكماً نصبته الإدارة الأميركية بدهاء لمحور المقاومة
والممانعة في الشرق الأوسط، أو كما تسميها الولايات المتحدة "المنطقة
الأميركية الوسطى". للوهلة الأولى ظهر أن مشروع الشرق الأوسط الجديد قد
انتهى دون رجعة إلا أن الحسابات لم تصب، فأميركا هي نفسها التي لم ولن
تتغير لا في عهد أوباما ولا غيره، حليفتها الأولى والأخيرة "إسرائيل"
وهدفها الأساسي حماية هذا الكيان بالإضافة إلى مصالحها الاقتصادية
والسياسية الاستعمارية التي تعثرت أمام وحدة خيار المقاومة ومثلثه الفولاذي
لبنان المقاومة وسورية الممانعة وايران الصامدة. كيف يتحقق الحلم الأميركي
في الشرق الأوسط وروسيا استعادت موقعها في المنطقة وعادت لتشكل مع الصين
توازن مع القوى الغربية الكبرى. سقط الخيار الأميركي في العراق لتعود سورية
الهدف الأميركي – الصهيوني البديل في استراتيجية أحجار الدومينو
الأميركية.
نادر عز الدين
موقع قناة المنار