جهينة نيوز خاص- "كفاح نصر":
قلت سابقاً إن الحرب الأمريكية تستهدف الطاقة، فهي على المدى القريب حرب
غاز، وعلى المدى البعيد حرب غاز ونفط معاً، حيث بعد خمسة عقود من الآن
سيكون معظم ما بقي من نفط العالم في بحر قزوين والمحيط المتجمد الشمالي،
والحرب على النفط في بحر قزوين والمتجمد الشمالي لا تحتاج إلى توضيح، فالكل
يعلم أن نفط الخليج بعد خمسين عاماً لن يبقى منه الكثير ولن يغطي الطلب
على النفط، ولكن الكثيرين طلبوا توضيح حرب الغاز وهنا لمحة عن هذه الحرب.
حرب الطاقة
هذه المرة لن أعود إلى العام 1994 لشرح أبعاد قرار الاتحاد الأوروبي
بالاعتماد على الغاز وهو الوقود الايقولوجي النظيف، ولكن لنرى اليوم بعد أن
أصبح معظم العالم يعتمد على الغاز كخيار أساسي وبديل نظيف للطاقة، فماذا
حدث وهل فعلاً الغاز أصبح منافساً للنفط بعد أن كان قسم كبير منه يحرق في
الهواء؟.
- كانت أوروبا تعتمد على الفحم لتوليد الكهرباء والآن تعتمد على الغاز في ظل تزايد استهلاك الكهرباء.
- معظم وسائل النقل الجماعي (الحافلات) في أوروبا تعتمد على الغاز وحتى سورية قريباً سيكون فيها باصات تعمل على الغاز.
- أصبح الوقود الحيوي (المازوت الحيوي - الأخضر) والبنزين الحيوي جزءاً أساسياً من وقود السيارات في أوروبا.
- الكثير من الدول بدأت بإنتاج سيارات تعمل على الغاز.
- التدفئة المنزلية انتقلت من الديزل والفحم إلى الغاز في أوروبا،
والكثير من الدول بما فيها سورية بدأت تشجع الناس على التدفئة على الغاز،
وأصبحت مدافئ الغاز متوفرة بأسعار منافسة.
وهذه خريطة توضح الدول الموقعة على اتفاقية كيوتو، وهي الدول التي سيزيد
فيها استهلاك الغاز على حساب النفط، الدول باللون الأخضر صادقت على
اتفاقية كيوتو وباللون الرمادي لم تقرر وباللون الأزرق ترفض التوقيع.
وللتوضيح فإن الولايات المتحدة من الدول الغنية بالغاز، لكنها ورغم عدم
توقيعها اتفاق كيوتو هي أكبر مستهلك للغاز يليها الاتحاد الأوروبي، ونسبة
الغاز الروسي في السوق الأوروبية تزيد عن 25% من حجم واردات دول الاتحاد،
وروسيا بلد يعتمد على بيع الخامات في اقتصاده (نفط وغاز) وبالتالي إذا فقد
الروسي سوق الغاز فقد اقتصاده وسيعود إلى دوامة المشكلات المالية، وأصبح من
السهل الوصول إلى نفط بحر قزوين والشيشان والمحيط المتجمد الشمالي،
وبالتالي حين يقول الأمريكي والفرنسي إن خط نابوكو لتقليل اعتماد دول
الاتحاد الأوروبي فهو يقول بنفس الوقت ضرب الاقتصاد الروسي وحرمانه من أهم
مدخولاته الاقتصادية، ولم يكن خط نابوكو لتقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي
على الغاز الروسي فحسب بل طريق لإعادة روسيا للفوضى، ولهذا اعتبرت روسيا خط
نابوكو عملاً عدائياً ضدها. وبالتالي للحصول على النفط في المتجمد الشمالي
وبحر قزوين يجب إشعال روسيا من الداخل، ولإشعالها من الداخل ينبغي قطع
مواردها المالية من جهة، وإعادة إشعال المناطق المسلمة في روسيا (الشيشان
وداغستان) بعد أن تشتعل الحروب الطائفية في الدول العربية وبالذات في
سورية.
حرب الغاز
كي لا ندخل فيما يسمّى نظرية المؤامرة، سأذكر بعض الأمثلة تاركاً للقارئ
فهمها كما يحلو له، لكن وقبل ذلك لنتذكر دول الغاز حول تركيا التي يستهدف
مشروع نابوكو جر الغاز منها إلى تركيا فأوروبا (تركمانستان، أذربيجان،
إيران، العراق، الساحل الشرقي للمتوسط ما بين لبنان وفلسطين وقبرص وصولاً
للغاز المصري) ولنلاحظ مايلي: غاز تركمانستان يجب أن يمر ببحر قزوين، وغاز
أذربيجان لا يمكن أن يمر بأرمينيا بسبب النزاع على إقليم ناكورني قره باخ
بين أذربيجان وأرمينيا، ويبقى الطريق عبر جورجيا هو الأفضل. وفعلاً بدأ
تمديد منشآت لخط الغاز نابوكو في جورجيا قبل سنوات فماذا حدث؟.. أعلنت
أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية استقلالها عن جورجيا، حيث دخل الجيش الجورجي إلى
أبخازيا فساند الروس الجمهوريات المستقلة عن جورجيا، ووصل الجيش الروسي
إلى تخوم العاصمة الجورجية تبليسي وقبل أن يعود، وخلال حرب القوقاز لم يعد
هناك ما يخصّ خط نابوكو دون تدمير في جورجيا، حيث دمر الجيش الروسي كل ما
يخصّ خط نابوكو في جورجيا، وبعدها بفترة قصيرة وقعت أذربيجان عقد شراكة
إستراتيجية مع روسيا وأوقفت "غاز بروم" استخراج الغاز الروسي وبدأت بشراء
الغاز الأذربيجاني، فضلاً عن شرائها قسماً كبيراً من الغاز التركمانستاني.
ومع سقوط الياسمينة الزرقاء في سورية وتأجيل خط نابوكو من العام 2014
إلى العام 2017 تحدث الاتحاد الأوروبي عن مد خط للغاز من تركمانستان عبر
بحر قزوين، ومن ثم دعم الرئيس الأمريكي خط غاز عبر بحر قزوين، ولكن استغرب
الروس التصريحات الأمريكية كون بحر قزوين لم تسوَ حدوده بشكل قانوني، وهناك
مشكلة إذا كان بحر قزوين بحراً أم بحيرة وتنازع حول محاصصة هذا البحر بعد
أن كان مناصفة بين الاتحاد السوفييتي وإيران، أصبح الآن من حصص خمس دول تطل
على هذا البحر، ولن تسوى هذه المشكلات القانونية المستعصية طالما هناك حلم
أمريكي بمد الغاز عبر خط نابوكو الذي تعارضه إيران وروسيا.
المزيد حول حرب الغاز
1- عند دخول روسيا إلى الاستثمار في مشاريع الغاز بنيجيريا هاجمت الصحف
الأمريكية الدخول الروسي إلى إفريقيا واعتبرته تعدياً على مصالح الغرب،
وحين تم توقيع الاتفاق بين "غاز بروم" ونيجيريا كان عنوان إحدى الصحف
الروسية (موسكو تتقدم في تحقيق حلم بروكسل المزعج) ولم تمضِ أيام على توقيع
العقد حتى بدأت أعمال عنف طائفي في نيجيريا، قد يكون العنف الطائفي في
نيجيريا صدفة وليس مؤامرة أمريكية حسب مثقفي واشنطن في المنطقة، لكن مقالات
الواشنطن بوست وغازيتا الروسية موجودة وهي حرب غاز معلنة.
2- زيارات بوتين وصداقته مع برلسكوني التي انتهت بشراء نصف حصة شركة
"إيني" الإيطالية في ليبيا ومن ثم زيارة بوتين إلى ليبيا وتوقيع عدة عقود
ربما لا تكون هي سبب ظهور فضائح برلسكوني الجنسية ومهاجمة ليبيا بعد أن
أعلن القذافي عن نيته مد خط غاز ساحلي ودعم أنبوب الصحراء الكبرى. أما حول
مصر فقد فصّلت في الملحق رقم (1).. فمصر بعد استخراج الغاز في الكيان
الصهيوني ومرور الغاز الإيراني من سورية ستخسر السوق السورية والصهيونية
ويبقى لها الأردن التي قد تنافسها به إسرائيل، ولهذا بعد فشل مشروع نابوكو
هي إما أمام خيار جر الغاز باتجاه ليبيا أو الالتحاق بخط الغاز الإيراني
كون الغاز المصري يصل إلى سورية، أو تسييل الغاز ونقله بالناقلات، وقتها
ستكون تحت رحمة القادر على بناء منشآت تسييل الغاز لأنه من غير المجدي
اقتصادياً مد خط غاز مصري إلى الاتحاد الأوروبي، ولهذا مصر أمام تحديات قد
تكون مخيفة على مستقبل مصر أدركها حسني مبارك متأخراً كما ذكرنا سابقاً.
3- قُرّر لخط نابوكو العمل في العام 2011 وفي العام 2012 بأقصى تقدير،
وبعد فشل الحرب على لبنان تم تأجيله إلى العام 2014 وبعد فشل الياسمينة
الزرقاء في سورية تمّ تأجيله إلى العام 2017، طبعاً قد تكون صدفة ولكن ليس
من الصدفة الكلام الإسرائيلي عن استخراج الغاز حين توهم البعض أن سورية على
طريق السقوط.
الخلاصة
حرب الطاقة هي حرب معلنة على وسائل الإعلام الروسية والأمريكية، ومن
يقول إن ما ورد من معلومات ليس إلا جزءاً من نظرية المؤامرة لا حاجة للرد
عليه، لأن حرب الطاقة هي وقائع وليس تسريبات ولا شهود عيان، ورفض شركات
الغاز استخراج غاز للكيان الصهيوني بعد تحذيرات سماحة السيد حسن نصر الله
من التنقيب عن الغاز لصالح الكيان الصهيوني، تجعل المعادلة هي التالي:
- لا يمكن الوصول إلى غاز وسط آسيا (تركمانستان وأذربيجان) وخصوصاً بعد
حرب القوقاز وتدمير منشآت نابوكو في جورجيا، ومشكلة بحر قزوين المستعصية
على الحل.
- لايمكن الوصول إلى غاز ساحل المتوسط دون احتلال جنوب لبنان وتفتيت
سورية، لكن التفتيت سقط وسقط الاحتلال في العام 2006 وفي العام 2011.
- غاز إيران لم يتمكن الأمريكي من الحصول عليه وغاز العراق مازال في
الخلافات بين حكومة كردستان وحكومة بغداد، ويبقى السؤال: هل طريق إمداده
آمن وهل من الصعب ضربه كما يضرب إمداد الغاز إلى الكيان الصهيوني من مصر في
ظل لا استقرار تركيا وحربها مع حزب العمال الكردستاني، ومع التوقيع بين
العراق وسورية وإيران على مد خط للغاز الإيراني إلى أوروبا يبقى هناك
خياران:
تحول سورية إلى معبر للغاز إلى أوروبا، وبالتالي لن تدعم أوروبا أي حرب
إسرائيلية في المستقبل وستصبح في عزلة دولية ويصبح السلام في المنطقة
خياراً إستراتيجياً لأوروبا. أو أن يعقد الأمريكي صفقة مع إيران على حساب
الكيان الصهيوني.
ومن يعتقد أن روسيا بصدد التخلي عن سورية أو أن أمريكا بصدد شن حرب على
سورية هو متوهم يعيش أحلام اليقظة، ومن يعتقد أن أردوغان يقاتل لأجل
العثمانية وليس لأجل خمسة مليارات متر مكعب من الغاز ثمن مرور الغاز من
تركيا كذلك هو واهم، ومن يعتقد أن هناك أملاً في إسقاط سورية كذلك هو واهم.
تركيا تدخل مرحلة تقرير المصير
نهاية العام 2011 أي بعد أسابيع ينتهي عقد تزويد روسيا لتركيا بالغاز،
وروسيا ترفض تجديد العقد من دون ضمانات عدم البيع، والشركة التركية ترفض
تقديم هذه الضمانات، ولهذا يمكن لتنظيم صقور كردستان (وهو مخابرات أمريكية
إسرائيلية عبارة عن حزب على الانترنيت يقوم بتفجيرات لاتهام حزب العمال
الكردستاني ومحاولة الحلول مكانه) بتفجير ومهاجمة قوات تركية وبمعرفة
تركيا، فتتهم تركيا حزب العمال الكردستاني وتشن حملات وغارات على شمال
العراق ويبقى الهدف التركي هو محاولة تأمين خط آمن لنقل الغاز من شمال
العراق إلى تركيا، هكذا كانت هجمات الجيش التركي شمال العراق محاولة للقضاء
على حزب العمال الكردستاني لتمرير الغاز، لا أكثر ولا أقل، ومن غير
المعلوم إذا كان اتصال أردوغان ببوتين لحل مشكلة تمديد عقد الغاز الروسي قد
توصل إلى نتيجة، ولكن من المؤكد أن الروسي لن يقدّم تنازلات مع الغارات
التركية شمال العراق، ولن يقدم أي تنازلات في عقود الغاز لأجل الدرع
الصاروخي الأمريكي في تركيا، والإيراني الذي حصل من روسيا على شراكة أمنية
وصفتها الصحف الإيرانية بالإستراتيجية ليست إلا ثمن عدم زيادة إمدادات
الغاز الإيراني إلى تركيا التي ربطت نفسها بالمشروع الأمريكي، وقدمت سورية
تنازلات اقتصادية لتركيا وكذلك روسيا كي لا تدخل في المشروع الأمريكي،
ولكنها أصرت على الدخول وهي الآن أمام إما خيار المراهنة على الأمريكي
وخسارة ما تملك أو العودة للحضن الروسي السوري الإيراني، وبالتالي تركيا قد
تكون دخلت في مرحلة تقرير المصير، لأن أي خطوات قد تتخذها بعد الآن قد لا
يمكن التراجع عنها، فما قدم لها للتخلي عن المشروع الأمريكي لن يقدم لها
حين يسقط المشروع الأمريكي.
الملحق القادم: التضليل الإعلامي والإعلام الحربي
قلت سابقاً إن الحرب الأمريكية تستهدف الطاقة، فهي على المدى القريب حرب
غاز، وعلى المدى البعيد حرب غاز ونفط معاً، حيث بعد خمسة عقود من الآن
سيكون معظم ما بقي من نفط العالم في بحر قزوين والمحيط المتجمد الشمالي،
والحرب على النفط في بحر قزوين والمتجمد الشمالي لا تحتاج إلى توضيح، فالكل
يعلم أن نفط الخليج بعد خمسين عاماً لن يبقى منه الكثير ولن يغطي الطلب
على النفط، ولكن الكثيرين طلبوا توضيح حرب الغاز وهنا لمحة عن هذه الحرب.
حرب الطاقة
هذه المرة لن أعود إلى العام 1994 لشرح أبعاد قرار الاتحاد الأوروبي
بالاعتماد على الغاز وهو الوقود الايقولوجي النظيف، ولكن لنرى اليوم بعد أن
أصبح معظم العالم يعتمد على الغاز كخيار أساسي وبديل نظيف للطاقة، فماذا
حدث وهل فعلاً الغاز أصبح منافساً للنفط بعد أن كان قسم كبير منه يحرق في
الهواء؟.
- كانت أوروبا تعتمد على الفحم لتوليد الكهرباء والآن تعتمد على الغاز في ظل تزايد استهلاك الكهرباء.
- معظم وسائل النقل الجماعي (الحافلات) في أوروبا تعتمد على الغاز وحتى سورية قريباً سيكون فيها باصات تعمل على الغاز.
- أصبح الوقود الحيوي (المازوت الحيوي - الأخضر) والبنزين الحيوي جزءاً أساسياً من وقود السيارات في أوروبا.
- الكثير من الدول بدأت بإنتاج سيارات تعمل على الغاز.
- التدفئة المنزلية انتقلت من الديزل والفحم إلى الغاز في أوروبا،
والكثير من الدول بما فيها سورية بدأت تشجع الناس على التدفئة على الغاز،
وأصبحت مدافئ الغاز متوفرة بأسعار منافسة.
وهذه خريطة توضح الدول الموقعة على اتفاقية كيوتو، وهي الدول التي سيزيد
فيها استهلاك الغاز على حساب النفط، الدول باللون الأخضر صادقت على
اتفاقية كيوتو وباللون الرمادي لم تقرر وباللون الأزرق ترفض التوقيع.
وللتوضيح فإن الولايات المتحدة من الدول الغنية بالغاز، لكنها ورغم عدم
توقيعها اتفاق كيوتو هي أكبر مستهلك للغاز يليها الاتحاد الأوروبي، ونسبة
الغاز الروسي في السوق الأوروبية تزيد عن 25% من حجم واردات دول الاتحاد،
وروسيا بلد يعتمد على بيع الخامات في اقتصاده (نفط وغاز) وبالتالي إذا فقد
الروسي سوق الغاز فقد اقتصاده وسيعود إلى دوامة المشكلات المالية، وأصبح من
السهل الوصول إلى نفط بحر قزوين والشيشان والمحيط المتجمد الشمالي،
وبالتالي حين يقول الأمريكي والفرنسي إن خط نابوكو لتقليل اعتماد دول
الاتحاد الأوروبي فهو يقول بنفس الوقت ضرب الاقتصاد الروسي وحرمانه من أهم
مدخولاته الاقتصادية، ولم يكن خط نابوكو لتقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي
على الغاز الروسي فحسب بل طريق لإعادة روسيا للفوضى، ولهذا اعتبرت روسيا خط
نابوكو عملاً عدائياً ضدها. وبالتالي للحصول على النفط في المتجمد الشمالي
وبحر قزوين يجب إشعال روسيا من الداخل، ولإشعالها من الداخل ينبغي قطع
مواردها المالية من جهة، وإعادة إشعال المناطق المسلمة في روسيا (الشيشان
وداغستان) بعد أن تشتعل الحروب الطائفية في الدول العربية وبالذات في
سورية.
حرب الغاز
كي لا ندخل فيما يسمّى نظرية المؤامرة، سأذكر بعض الأمثلة تاركاً للقارئ
فهمها كما يحلو له، لكن وقبل ذلك لنتذكر دول الغاز حول تركيا التي يستهدف
مشروع نابوكو جر الغاز منها إلى تركيا فأوروبا (تركمانستان، أذربيجان،
إيران، العراق، الساحل الشرقي للمتوسط ما بين لبنان وفلسطين وقبرص وصولاً
للغاز المصري) ولنلاحظ مايلي: غاز تركمانستان يجب أن يمر ببحر قزوين، وغاز
أذربيجان لا يمكن أن يمر بأرمينيا بسبب النزاع على إقليم ناكورني قره باخ
بين أذربيجان وأرمينيا، ويبقى الطريق عبر جورجيا هو الأفضل. وفعلاً بدأ
تمديد منشآت لخط الغاز نابوكو في جورجيا قبل سنوات فماذا حدث؟.. أعلنت
أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية استقلالها عن جورجيا، حيث دخل الجيش الجورجي إلى
أبخازيا فساند الروس الجمهوريات المستقلة عن جورجيا، ووصل الجيش الروسي
إلى تخوم العاصمة الجورجية تبليسي وقبل أن يعود، وخلال حرب القوقاز لم يعد
هناك ما يخصّ خط نابوكو دون تدمير في جورجيا، حيث دمر الجيش الروسي كل ما
يخصّ خط نابوكو في جورجيا، وبعدها بفترة قصيرة وقعت أذربيجان عقد شراكة
إستراتيجية مع روسيا وأوقفت "غاز بروم" استخراج الغاز الروسي وبدأت بشراء
الغاز الأذربيجاني، فضلاً عن شرائها قسماً كبيراً من الغاز التركمانستاني.
ومع سقوط الياسمينة الزرقاء في سورية وتأجيل خط نابوكو من العام 2014
إلى العام 2017 تحدث الاتحاد الأوروبي عن مد خط للغاز من تركمانستان عبر
بحر قزوين، ومن ثم دعم الرئيس الأمريكي خط غاز عبر بحر قزوين، ولكن استغرب
الروس التصريحات الأمريكية كون بحر قزوين لم تسوَ حدوده بشكل قانوني، وهناك
مشكلة إذا كان بحر قزوين بحراً أم بحيرة وتنازع حول محاصصة هذا البحر بعد
أن كان مناصفة بين الاتحاد السوفييتي وإيران، أصبح الآن من حصص خمس دول تطل
على هذا البحر، ولن تسوى هذه المشكلات القانونية المستعصية طالما هناك حلم
أمريكي بمد الغاز عبر خط نابوكو الذي تعارضه إيران وروسيا.
المزيد حول حرب الغاز
1- عند دخول روسيا إلى الاستثمار في مشاريع الغاز بنيجيريا هاجمت الصحف
الأمريكية الدخول الروسي إلى إفريقيا واعتبرته تعدياً على مصالح الغرب،
وحين تم توقيع الاتفاق بين "غاز بروم" ونيجيريا كان عنوان إحدى الصحف
الروسية (موسكو تتقدم في تحقيق حلم بروكسل المزعج) ولم تمضِ أيام على توقيع
العقد حتى بدأت أعمال عنف طائفي في نيجيريا، قد يكون العنف الطائفي في
نيجيريا صدفة وليس مؤامرة أمريكية حسب مثقفي واشنطن في المنطقة، لكن مقالات
الواشنطن بوست وغازيتا الروسية موجودة وهي حرب غاز معلنة.
2- زيارات بوتين وصداقته مع برلسكوني التي انتهت بشراء نصف حصة شركة
"إيني" الإيطالية في ليبيا ومن ثم زيارة بوتين إلى ليبيا وتوقيع عدة عقود
ربما لا تكون هي سبب ظهور فضائح برلسكوني الجنسية ومهاجمة ليبيا بعد أن
أعلن القذافي عن نيته مد خط غاز ساحلي ودعم أنبوب الصحراء الكبرى. أما حول
مصر فقد فصّلت في الملحق رقم (1).. فمصر بعد استخراج الغاز في الكيان
الصهيوني ومرور الغاز الإيراني من سورية ستخسر السوق السورية والصهيونية
ويبقى لها الأردن التي قد تنافسها به إسرائيل، ولهذا بعد فشل مشروع نابوكو
هي إما أمام خيار جر الغاز باتجاه ليبيا أو الالتحاق بخط الغاز الإيراني
كون الغاز المصري يصل إلى سورية، أو تسييل الغاز ونقله بالناقلات، وقتها
ستكون تحت رحمة القادر على بناء منشآت تسييل الغاز لأنه من غير المجدي
اقتصادياً مد خط غاز مصري إلى الاتحاد الأوروبي، ولهذا مصر أمام تحديات قد
تكون مخيفة على مستقبل مصر أدركها حسني مبارك متأخراً كما ذكرنا سابقاً.
3- قُرّر لخط نابوكو العمل في العام 2011 وفي العام 2012 بأقصى تقدير،
وبعد فشل الحرب على لبنان تم تأجيله إلى العام 2014 وبعد فشل الياسمينة
الزرقاء في سورية تمّ تأجيله إلى العام 2017، طبعاً قد تكون صدفة ولكن ليس
من الصدفة الكلام الإسرائيلي عن استخراج الغاز حين توهم البعض أن سورية على
طريق السقوط.
الخلاصة
حرب الطاقة هي حرب معلنة على وسائل الإعلام الروسية والأمريكية، ومن
يقول إن ما ورد من معلومات ليس إلا جزءاً من نظرية المؤامرة لا حاجة للرد
عليه، لأن حرب الطاقة هي وقائع وليس تسريبات ولا شهود عيان، ورفض شركات
الغاز استخراج غاز للكيان الصهيوني بعد تحذيرات سماحة السيد حسن نصر الله
من التنقيب عن الغاز لصالح الكيان الصهيوني، تجعل المعادلة هي التالي:
- لا يمكن الوصول إلى غاز وسط آسيا (تركمانستان وأذربيجان) وخصوصاً بعد
حرب القوقاز وتدمير منشآت نابوكو في جورجيا، ومشكلة بحر قزوين المستعصية
على الحل.
- لايمكن الوصول إلى غاز ساحل المتوسط دون احتلال جنوب لبنان وتفتيت
سورية، لكن التفتيت سقط وسقط الاحتلال في العام 2006 وفي العام 2011.
- غاز إيران لم يتمكن الأمريكي من الحصول عليه وغاز العراق مازال في
الخلافات بين حكومة كردستان وحكومة بغداد، ويبقى السؤال: هل طريق إمداده
آمن وهل من الصعب ضربه كما يضرب إمداد الغاز إلى الكيان الصهيوني من مصر في
ظل لا استقرار تركيا وحربها مع حزب العمال الكردستاني، ومع التوقيع بين
العراق وسورية وإيران على مد خط للغاز الإيراني إلى أوروبا يبقى هناك
خياران:
تحول سورية إلى معبر للغاز إلى أوروبا، وبالتالي لن تدعم أوروبا أي حرب
إسرائيلية في المستقبل وستصبح في عزلة دولية ويصبح السلام في المنطقة
خياراً إستراتيجياً لأوروبا. أو أن يعقد الأمريكي صفقة مع إيران على حساب
الكيان الصهيوني.
ومن يعتقد أن روسيا بصدد التخلي عن سورية أو أن أمريكا بصدد شن حرب على
سورية هو متوهم يعيش أحلام اليقظة، ومن يعتقد أن أردوغان يقاتل لأجل
العثمانية وليس لأجل خمسة مليارات متر مكعب من الغاز ثمن مرور الغاز من
تركيا كذلك هو واهم، ومن يعتقد أن هناك أملاً في إسقاط سورية كذلك هو واهم.
تركيا تدخل مرحلة تقرير المصير
نهاية العام 2011 أي بعد أسابيع ينتهي عقد تزويد روسيا لتركيا بالغاز،
وروسيا ترفض تجديد العقد من دون ضمانات عدم البيع، والشركة التركية ترفض
تقديم هذه الضمانات، ولهذا يمكن لتنظيم صقور كردستان (وهو مخابرات أمريكية
إسرائيلية عبارة عن حزب على الانترنيت يقوم بتفجيرات لاتهام حزب العمال
الكردستاني ومحاولة الحلول مكانه) بتفجير ومهاجمة قوات تركية وبمعرفة
تركيا، فتتهم تركيا حزب العمال الكردستاني وتشن حملات وغارات على شمال
العراق ويبقى الهدف التركي هو محاولة تأمين خط آمن لنقل الغاز من شمال
العراق إلى تركيا، هكذا كانت هجمات الجيش التركي شمال العراق محاولة للقضاء
على حزب العمال الكردستاني لتمرير الغاز، لا أكثر ولا أقل، ومن غير
المعلوم إذا كان اتصال أردوغان ببوتين لحل مشكلة تمديد عقد الغاز الروسي قد
توصل إلى نتيجة، ولكن من المؤكد أن الروسي لن يقدّم تنازلات مع الغارات
التركية شمال العراق، ولن يقدم أي تنازلات في عقود الغاز لأجل الدرع
الصاروخي الأمريكي في تركيا، والإيراني الذي حصل من روسيا على شراكة أمنية
وصفتها الصحف الإيرانية بالإستراتيجية ليست إلا ثمن عدم زيادة إمدادات
الغاز الإيراني إلى تركيا التي ربطت نفسها بالمشروع الأمريكي، وقدمت سورية
تنازلات اقتصادية لتركيا وكذلك روسيا كي لا تدخل في المشروع الأمريكي،
ولكنها أصرت على الدخول وهي الآن أمام إما خيار المراهنة على الأمريكي
وخسارة ما تملك أو العودة للحضن الروسي السوري الإيراني، وبالتالي تركيا قد
تكون دخلت في مرحلة تقرير المصير، لأن أي خطوات قد تتخذها بعد الآن قد لا
يمكن التراجع عنها، فما قدم لها للتخلي عن المشروع الأمريكي لن يقدم لها
حين يسقط المشروع الأمريكي.
الملحق القادم: التضليل الإعلامي والإعلام الحربي