ربما كانت حدة الأزمة وتوقيتها يفترضان الضغط باتجاه البحث أولاً عن العوامل المسببة لأزمة توزيع مادتي المازوت والغاز، بغية معالجتها وضمان حصول المواطن على ما يحتاجه من المادتين بسهولة وبساطة كما هو المعتاد ..
إنما مع امتداد فترة الأزمة زمنياً وارتفاع كميات ما هو مطروح من المادتين في السوق المحلية، كان من الضروري طرح سؤال بسيط يحمل في طياته هدراً كبيراً ومضمونه : أين كانت تذهب كل تلك الكميات التي تخسر عليها الخزينة العامة مليارات الليرات سنوياً كدعم؟!
قبل الإجابة عن هذا السؤال،سنحاول تقديم رؤية إحصائية حول قيمة ما تم طرحه في السوق والذي لم يستفد منه المواطن، والذي يمكن بالتالي وصف مصيره بالهدر أو الاحتكار أو التهريب ..!!
نبدأ بمادة المازوت ...
تكشف البيانات الإحصائية الرسمية أن قيمة ما وزعته شركة محروقات لغاية نهاية شهر تشرين الثاني بلغ نحو 6.434 مليارات ليتر بزيادة مقدارها 13% مقارنة بالفترة نفسها من العام 2010، وتبعاً للتقديرات المتعلقة بزيادة الاستهلاك الطبيعية سنوياً والتي تتراوح ما بين 3-5% فإن مقدار الزيادة غير المبررة في استهلاك المادة وصلت إلى 8% إذا أخذنا الحد الأعلى للزيادة الطبيعية.. وتبعاً لسعر المادة محلياً فإن هذه الزيادة غير المشروعة كلفت الدولة نحو 6 مليارات ليرة سورية، ووفقاً للفارق بين السعر العالمي والمحلي والبالغ تقريباً 30 ليرة فإن الزيادة تلك تكون قد كلفت الخزينة العامة نحو 13.6 مليار ليرة سورية، وهي تعادل تقديرات حكومة عطري السابقة لكلفة مشروع إيصال الدعم عبر الشيكات المالية.
ومن ناحية أخرى فإن مراجعة البيانات المتعلقة بكميات المادة الموزعة على محطات الوقود شهريا ًتظهر واقعاً آخر..
فخلال شهر تشرين الثاني أكدت شركة محروقات أن كميات المازوت الموزعة بلغت نحو 700 مليون ليتر بزيادة مقدارها 29 % عن شهر تشرين الثاني من العام 2010، ولتكون بذلك الزيادة غير الطبيعية تبلغ نحو 24% أي ما يعادل 2.370 مليار ليرة بالسعر المدعوم حالياً و 4.7 مليارات ليرة قيمة الفارق بين السعر المحلي والعالمي، وفي شهر تشرين الأول تشير البيانات إلى أن زيادة الاستهلاك بلغت نحو 17% منها 12% زيادة غير طبيعية وقيمتها بلغت نحو 900 مليون ليرة بالسعر المحلي و نحو 2 مليار ليرة بالفارق بين المحلي والعالمي ..
والسؤال .. أين ذهبت هذه الكميات مادامت لم تحل الأزمة؟! وهل يمكن اعتبار المبالغ التي خسرتها الدولة مبررة ؟ ومن الذي استفاد من مبالغ الدعم تلك؟!.
المحور الثالث الذي سنستعرض من خلاله واقع الزيادة الهائلة وغير المبررة في الاستهلاك، ولاسيما إذا نظرنا إلى إمكانيات التخزين المحدودة جداً لدى منازل المواطنين، تتعلق بتوزع الزيادة على المحافظات تبعاً لاستهلاكها المعتاد،إذ توضح البيانات أنه خلال شهر تشرين الثاني وهو ذروة الأزمة فقد بلغت زيادة استهلاك مدينة دمشق نحو 58% مقارنة بالشهر نفسه من العام 2010، وفي ريف دمشق 33%،درعا 42%، السويداء 120%، القنيطرة 88%، حمص 12%، حماة 8%، اللاذقية 21%، طرطوس 25%، حلب 23%، إدلب 15%،الرقة 51%،دير الزور 29%، الحسكة 37%...
هذه الزيادة في الاستهلاك التي شملت مختلف المحافظات تثير الشك والريبة من جهتين : الأولى أنها لم تتجه نحو المواطن بدليل استمرار الأزمة، والثانية غياب أي مبررات اقتصادية أو اجتماعية يمكن أن تقود لمثل هذه الزيادة التي يمكن أن تكون في محافظتين مثلاً لا في جميع المحافظات ..!!
تؤكد مصادر »تشرين« أنالكميات الكبيرة التي طرحتها شركة محروقات تلبية لحاجة السوق المحلية ومحاولة حل الأزمة عبر توفير المادة ذهبت في ثلاث قنوات هي:
-محطات الوقود التي خزنت المادة أو بدأت تتاجر بها بطرق غير مشروعة من خلال رفع سعرليتر المادة بشكل مخالف للقانون، وهذا ما أكده مواطنون وتجار وصناعيون، قالوا: إنهم كانوا يشترون المادة بسعر يتراوح ما بين 20-25 ليرة.
-بعض الفعاليات الاقتصادية التي بدأت بتخزين المادة بدليل ضبط عدد من أفراد هذه الفعاليات وقد خزنوا كميات كبيرة، كأحدهم في محافظة شمالية عندما تم ضبط مخزن أرضي لديه يمتد لأسفل شارع عام ويتسع لما يقرب من مليون ليتر حسب المعلومات الخاصة.
-التهريب وهو الأكثر انتشاراً واستغلالاً للزيادة المطروحة من المازوت، وذلك نتيجة الفارق الاقتصادي الكبير والمغري، والذي مكن المهربين من تحقيق أرباح كبيرة خلال الفترة الماضية، ولاننسى عمليات التخريب للمجموعات الإرهابية المسلحة عبر السطو على الصهاريج وسرقة بعض المحطات.
نعتقد جميعاً أن هناك أكثر من قطاع ومجال بحاجة إلى تلك المليارات من بينها الصحة والتعليم.... وغيرها ولا نعتقد أن الخزينةالعامة للدولة مرتاحة كثيراًحتى تبدد 14 مليار ليرة لا يعرف أحد من استفاد منها أو بالأحرى سرقها ..
هذا الملف يحتاج لنقاش وتحقيق جديين تماماً كضرورة بيان أسباب الأزمة..
فالمبالغ التي تخسرها الخزينة تحت لافتة الدعم ويكسبها آخرون هي في النهاية جزء من كعكة الفساد .
"صحيفة تشرين "