منتدى فور جامعة 4jam3a - طلاب كلية اقتصاد طرطوس

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى الطلابي الأول في طرطوس .. والحاضر يعلم الغايب


    100 رسالة حب..نزار قباني..المجموعة6

    zezo939
    zezo939
    جامعي جديد


    ذكر
    عدد المساهمات : 68
    العمر : 39
    المكان : طرطوس
    المستوى : 0
    نقاط : 200
    تاريخ التسجيل : 14/11/2008

    100 رسالة حب..نزار قباني..المجموعة6 Empty 100 رسالة حب..نزار قباني..المجموعة6

    مُساهمة من طرف zezo939 الثلاثاء نوفمبر 25, 2008 7:19 am

    ( 88 )
    لماذا تخابرينَ .. يا سيدتي ؟
    لماذا تعتدينَ .. عليَّ بهذه الطريقة المتحضرة ؟
    ما دام زمنُ الحنان قد ماتْ .
    وموسم البيلسان قد ماتْ .
    لماذا .. تكلفين صوتكِ ..
    أن يغتالني مرة أخرى ؟
    إنني رجلٌ ميت .
    والميت لا يموت مرتينْ .
    صوتطِ له أظافرْ ..
    ولحمي ، مطرز كالشرشف الدمشقيّ ،
    بالطعناتْ ..
    التلفون ..
    كانَ ذاتَ يوم
    ممدوداً بيني وبينكِ .. حبلاً من الياسمينْ
    وأصبح الآن حبلَ مشنقة ..
    كان هاتفكِ ..
    فراشَ حرير أستلقي عليه ..
    صار صليباً من الشوك أنزف فوقه ..
    كنتُ أفرح بصوتك ..
    عندما يخرجُ من سماعة الهاتف ..
    كعصفور أخضرْ ..
    أشربُ قهوتي معهْ ..
    وأدخن معهْ ..
    واطير إلى آل الآفاق ..
    معهْ ...
    كان صوتكِ ..
    جزءاً لا يتجزأ من حياتي ..
    كان ينبوعاً ، ومظلة ، ومروحة ..
    يحمل لي الفرحَ ، ورائحة البراري ..
    صار كنواقيس يوم الجمعة الحزينة
    يغسلني بأمطار الفجيعة ..
    *
    أوقفي هذه المذبحة يا سيدتي
    فشراييني كلها مقطوعة ..
    وأعصابي كلها مقطوعة ..
    ربما ..
    لا يزال صوتكِ بنفسجياً
    كما كان من قبل ..
    ولكنني – مع الأسف –
    لا أراه .. لا أراه ..
    لأنني مصاب بعمى الألونْ ..
    ( 89 )
    هل وصلنا بحبنا إلى نقطة اللا رجوعْ ؟
    الرجوع لا يدخل في نطاق همومي .
    الذهاب معكِ .. ونحوكِ .. وغليكِ ..
    هو أساسُ تفكيري .
    الذهاب الذي لا يرجع
    وليس لديه تذكرة عودة .
    *
    إنني أحبكِ ..
    ولا أطلب منكِ وثيقة تأمين
    ضدَّ الموت عشقاً .
    بل سأطلب منكِ – على العكس –
    أن تساعدني على الموت حرقاً
    على الطريقة البوذية ..
    مجنونة أنتِ .. إذا تصورتِ
    أنني أطلبَ معكِ السلامة ..
    فحين يحبّ رجلٌ مثلي
    امرأةً مثلك ..
    تشقق قشرةُ الكون
    وتصبح الأرضُ
    علبة كبريت في يد طفل ..
    *
    مجنونة أنتِ .. إذا فكرت
    أنني أبحث لديكِ عن الطمأنينة ..
    أو أنني أفكر في العودة إلى البرّ
    مرةً أخرى .
    فأنا نسيتُ تاريخي البريّ كلهْ
    نسيت الشوارعَ ، والأرصفة ، وأشجارَ السروْ .
    وكلَّ الأشياء التي لا تستطيع تغييرَ عناوينها ..
    *
    إنني أحبكِ ..
    ولا أريدُ أقراصاً منومة لأشواقي ..
    ولا حبوباً لمقاومة الدوارْ
    إنني بخير هكذا ..
    إنني بخير هكذا ..
    فأنا أكون في أحسن حالاتي
    عندما تهاجمني نوباتُ الهذيانْ ..
    فأنسى تاريخَ وجهي ..
    وأنسى مساحة جسدي
    وأتلاشى .. تحت شمس نهديكِ
    كما تتلاشى مدينة من الشمعْ ..
    ( 90 )
    رسالتك ، في صندوق بريدي ، فلة بيضاء
    حمامة أليفة ..
    تنتظرني لتنامَ في جوف يدي .
    فشكراً لكِ يا سخية اليدينْ ..
    شكراً على موسم الفُل ...
    *
    تسألين :
    ماذا فعلتُ في غيابك ؟
    غيابكِ لم يحدثْ .
    ورحلتكِ لم تتم .
    ظللت أنت وحقائبك قاعدة على رصيف فكري
    ظلَّ جواز سفرك معي
    وتذكرة الطائرة في جيبي ..
    *
    ممنوعة أنتِ من السفرْ ..
    إلا داخلَ الحدود الإقليمية لقلبي ..
    ممنوعة أنتِ من السفرْ ..
    خارجَ خريطة عواطفي واهتمامي بك ..
    أنتِ طفلة لا تعرف أن تسافر وحدَها ..
    أن تمشي على أرصفة مدن الحبّ .. وحدَها .
    تسافرينَ معي .. أو لا تسافرينْ ..
    تتناولينَ إفطارَ الصباح معي ..
    وتتكئين في الشوارع المزدحمة على كتفي .
    أو تظلين جائعة ..
    وضائعة ..
    رسالتك في صندوق بريدي
    حزيرة ياقوتْ ..
    وتسألين عن بيروتْ ..
    شوارعُ بيروت ، ساحاتها ، مقاهيها ، مطاعمها ،
    مرفأها . بواخرها .. كلها تصبُّ في عينيكِ
    ويوم تغمضين عينيكِ ..
    تختفي بيروتْ .
    لم أكن أتصور من قبل ..
    أن امرأة تقدر أن تعمرَ مدينة ..
    أن تخترعَ مدينة ..
    أن تعطي مدينة ما ..
    شمسها ، وبحرها وحضارتها ..
    إذا أتحدث عن المدن والأوطانْ ؟
    أنت وطني ..
    وجهكِ وطني ..
    صوتكِ وطني ..
    تجويف يدك الصغيرة وطني ..
    وفي هذا الوطن ولدتُ ..
    وفي هذا الوطن ..
    أريدُ أم أموت ...
    *
    رسالتك في صندوق بريدي
    شمسٌ إفريقية ..
    وأنا أحبك .
    على مستوى الهمجية أحبك ..
    على مستوى النار والزلازل أحبك ..
    على مستوى الحمّى والجنون .. أحبكِ
    فلا تسافري مرة أخرى ..
    لأن الله – منذ رحلتِ – دخل في نوبة بكاء عصبية ..
    وأصربَ عن الطعام ..
    رسالتكِ في صندوق بريدي ..
    ديكٌ مذبوحْ ..
    ذبحَ نفسه . وذبحني ..
    أحبّ أن يكون حبي لكِ على مستوى الذبحْ
    على مستوى النزيف والإستشهادْ ..
    أحبّ أن أمشي معك دائماً
    على حد الخنجرْ ..
    وأن أتدحرجَ معكِ عشرة آلاف سنة
    قبل أن نتهشَّم معاً على سطح الأرض ..
    ( 91 )
    تلبسين ملابسَ الهيبيينْ ..
    وتعلقين على شعرك الزهورْ
    وفي رقبتك الأجراسْ ..
    تقرأين تعاليمَ ماو ..
    وكلّ كتب الثورة الثقافية ..
    وتمشين في المسيرات الطويلة
    ترفعين لافتات الحرية
    وتطالبين أن يحكم الطلاب العالم
    وأن يكسروا جدرانَ العالم القديم ..
    وحين يهاجمك الحبّ ..
    كوحش أزرق الأنيابْ ..
    ترتعشين أمامه كفأرة مذعورة ..
    وترمين صورة ماو على الأرض
    وترمين معها ، كلّ لافتات الحرية
    التي رفعتها .. أنت وزميلاتك ..
    وتلتجئين باكية ..
    إلى صدر جدتك
    وتتزوجين ..
    على طريقة جدتكِ ..
    ( 92 )
    أشعر بالحاجة إلى النطق باسمكِ هذا اليوم ..
    أشعر بحاجة إلى أن أتعلق بحروفه كما يتعلق طفل بقطعة حلوى ..
    منذ زمن طويل لم أكتب اسمك في أعلى الرسائل .
    لم ازرعه شمساً في رأس الورقة .. لم تدفأ به ..
    واليوم ، وتشرين يهاجمني ويحاصر نوافذي ، أشعر بحاجة إلى النطق
    به . بحاجة إلى أن أوقد ناراً صغيرة .. بحاجة إلى غطاء .. ومعطف ..
    وإليك .. يا غطائي المنسوج من زهر البرتقال ، وطرابين الزعتر البريّ ..
    لم أعد قادراً على حبس اسمكِ في حلقي . لم أعد قادراً على حبسكِ في
    داخلي مدة أطول . ماذا تفعل الوردة بعطرها ؟ أين تذهب الحقول بسنابلها
    ، والطاووس بذيله ، والقنديل بزيته ؟
    أين أذهب بكِ ؟ أين أخفيكِ ؟
    والناس يرونك في إشارات يدي ، في نبرة صوتي ، في إيقاع خطواتي
    ..
    الناس يرونك قطرة مطر على معطفي ، زرّاً ذهبياً في كمّ قميصي ،
    كتاباً مقدساً بمفاتيح سيارتي .. جرحاً منسياً على ضفاف فمي ..
    وتظنين بعد ذلك كله ، أنك مجهولة وغير مرئية ..
    من رائحة ثيابي يعرف الناس أنكِ حبيبتي ، من رائحة جلدي يعرف
    الناس أنكِ كنت معي ، من خدَر ذراعي يعرفق الناس أنكِ كنتِ نائمة
    عليهما..
    لن أستطيع إخفاءك بعد اليوم ..
    فمن أناقة خطي يعرف الناس أني اكتبُ إليكِ ..
    من فرحة خطاي يعرفون أنني ذاهبٌ إلى موعدكِ ..
    من كثافة العشب على فمي يعرفون أن قبّلتكِ ..
    لا يمكننا .. لا يمكننا .. أن نستمر في ارتداء الملابس التنكرية .. بعد
    الآن ..
    فالدروبُ التي مشينا عليها لا يمكن أن تسكت ..
    والعصافيرُ المبللة التي وقفت على أكتافنا سوف تخبر العصافرَ
    الأخرى..
    كيف تريدنني أن أمحو أخبارنا من ذاكرة العصافير ..
    كيف يمكنني أن أقنع العصافير .. أن لا تنشر مذكراتها ؟
    ( 93 )
    هذه رسالة غير عادية ، عن يوم غير عاديّ .
    قليلة جداً هي الأيام غير العادية في حياة الإنسان . الأيام التي يخرج بها
    من قفص بشريته .. ليصبح عصفوراً .
    يوم .. أو نصف يوم .. ربما .. في حياة الانسان كلها ، يخرج فيه من
    السيلول الضيق ، ليمارس حريته ، ليقول ما يشاء .. ويحرك يديه كما يشاء
    ، ويجبّ من يشاء في الوقت الذي يشاء ..
    نادراً ما يضل الإنسان إلى ذروة حريته ، فيخرج من الصندوق المختوم
    بالشمع الأحمر الذي هو العادات اليومية والمصطلحات الاجتماعية ، ليرى
    حبيبته على الطبيعة .. ويحبها على الطبيعة ..
    الإنسان مدعي حرية .. وليس حراً كما يتصور . إنه ليس حراً في
    صلاته مع يديه ، وشفتيه ، وثيابه ، وكلامه وحواره اليوميّ ..
    فإذا كتبتُ لكِ عن هذا اليوم غير العاديّ ، فلأنني أشعر أنني تحررت في
    هذا اليوم من دبقي ومن صمغي .. وخرجتُ من صندوق النفاق الإجتماعي
    ، ومن مغارة التاريخ ، لأمارس حريتي كما يمارسها أي عصفور شارجد
    في البرية .
    البحر كتابٌ أزرقُ الغلاف .. أزرقُ الصفحات ..
    وأنت بثوب الإستحمام ، تقرأين تحت الشمس ، الحشرات الصغيرة
    تزحف على جسدك الزنبقيّ لتشرب الضوء ..
    ظهركِ مكشوف .. وقدماك تلعبان بحرية وطفولة على العشب الثابت
    أمام باب بيتنا البحريّ ..
    وأخيراً .. أصبح لنا بابٌ .. ومفتاحٌ .. ومنزلٌ بحريّ نلتجيء إليه ..
    ربما لا تدركين معنى أم يكون للإنسان بيت ، ومفتاح ، وامرأة يحبها ..
    ربما لا تدركين أنن تلميذٌ هاربٌ من جميع مدارس الحبّ ومعلميها ..
    هارب من ممارسة الحب بالإكراه ، وممارسة الشوق بالإكراه ،
    وممارسة الجنس بالإكراه ..
    وللمرة الأولى منذ عشرين سنة ، أدخل معك منزلنا البحريّ فلا أشعر أن
    له سقفاً .. وجدراناً ..
    للمرة الأولى أدفن وجهي في صدر امرأةٍ أحبها .. وأتمنى أن لا أستيقظ..
    للمرة الأولى أقيم حواراً طويلاً مع جسد امرأة أحبها .. ولا أفكر في
    الحصول على إجازة ..
    للمرة الأولى منذ عصور ، أفكر بتجديد إقامتي معك ..وحين يفكر رجل
    في تمديد إقامته مع امرأة .. فهذا يعني أنه دخل مرحلة الشعر .. أو مرحلة
    الهيستريا ..
    *
    البحر شريطٌ من الحرير الأزرق على رأس تلميذة ..
    ونهداك يقفزان من الماء .. كسمكتين متوحشتين ..
    وأنا أنكش في الرمل الساخن بحثاً عن لؤلؤة تشبه استدارة نهديكِ ..
    نخلتُ كلّ ذرات الرمل ، وفتحت مئات الأصداف ، ولم أعثر على لؤلؤة
    بملاستهما ..
    انتهى رملُ البحر كله .. وانتهت قواقعي كلها .. ورجعتُ إلى صدرك
    نادماً ومعتذراً .. كطالب راسبٍ في إمتحاناته ..
    نتخبط في الماء .. كطائرين بحريين لا وطن لهما .
    قطرات الماء تكرج على الجسدين المتشابكينْ ..
    تتدحرج .. تشهق .. تغني .. ترقص .. تصرخ .. لا تعرف أيّ الجسدين
    تبلل ..
    قطراتُ الماء دوختها جغرافيةُ الجسدين المتداخلين ..
    لم تعد تعرف أين تسقط .. على أيّ أرض تتزحلق ..
    ضاعت جنسية الرخام . لم يعد للعنق اسم .. ولا للذراع اسم .. ولا
    للخصر اسم .. صاعت أسماء الأسماء . الرخام كله معجون ببعضه ..
    براري الثلج كلها تشتعل .. وأنا .. وأنتِ ،، مزروعان في زرقة الماء ..
    كسيفين من الذهب .
    *
    الحبّ يجرفنا كصدفتين صغيرتين ..
    وأنا أتمسك بشعرك بشراسة إنسان يغرق ..
    لم يكن بإمكاني أن أكون أكثر تحضراً .. فحين تلتصقين بي كسمكة
    زرقاء .. أكونُ سخيفاً وغبياً إذا لم أجرك معي إلى الهاوية .. لتستقرّ في قعر
    البحر سفينتين لا يعرف أحدٌ مكانهما ..
    *
    إنتهى يومنا البحريّ ..
    ذهبت أنتِ . وظلتْ رغوة البحر تزحف على جسدي ..
    ظلت الشمس جرحاً من الياقوت على جبيني .
    حاولتُ أن أستعيدكِ ، وأستعيد البحر ..
    نجحتُ في استرداد البحر .. ولم أنجح في استردادك .. فما يأخذه البحر
    لا يرده .
    حاولتُ أن أركب يومنا البحريّ تركيباً ذهنياً ..
    وألصق عشرات التفاصيل الصغيرة ببعضها .. كقطع الفسيفساء .
    تذكرت كلّ شيء .
    قبعتك البيضاء ، ونظارة الشمس ، وكتابك الفرنسي المطمور بالرمل ..
    حتى النملة الخضراء ، التي كانت تتسلق على ركبتك الشمعية ..لم أنسها ..
    حتى قطرات العَرَق التي كانت تتزحلق كحبات اللؤلؤ .. على رقبتك لم
    أنسَها ..
    حتى قدمكِ الحافية التي كانت تتقلب على الرمل ، كعصفورة عطشى ..
    لم أنسها ..
    *
    إنتهى يومنا البحريّ ..
    لا زال ثوب استحمامك البرتقالّ ، مشتعلاً كشجرة الكرز في مخيلتي ..
    لا زال الماء المتساقط من شعرك .. يبلل دفاتري ..
    كل سطر أكتبه .. يغرق في الماء .
    كل قصيدة أكتبها تغرق في الماء ..
    كل جبل أصعد إليه .. يحاصره الماء ..
    فاحملي بحركِ ، يا سيدتي ، وانصرفي
    واتركي الشمس .. تُشرق ثانية ، على جسدي
    *
    إنتهى يومنا البحريّ .
    وآكتبَ البحرُ في دفتر مذكراته :
    " كانا رجلاً وامرأة ..
    وكنت بحراً حقيقياً .. "

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 4:15 pm