د تيسير الفتياني
تشير
تقارير صندوق النقد الدولي التي ترصد تطور أداء الاقتصاد العالمي والتنبؤ
به إلى أن الاقتصاد العالمي سيشهد حالة تباطؤ اقتصادي في الفترة المقبلة،
والأدلة تبرهن على أن الأزمة المالية الحالية ستؤثر سلبا على الاقتصاد
الحقيقي مما سيؤدي إلى زعزعة الثقة ويولد حالة من الاضطراب للمستثمرين
والمستهلكين، وان حدة الأزمة لم يشهد لها الاقتصاد العالمي مثيلا منذ أزمة
الكساد العالمي الكبير وان ما حصل لا زال في البدايات..
كل
هذا وغيره يطرح جملة من الأسئلة وهي: هل يمكن بعد حدوث تلك الأزمة أن يكون
النظام الرأسمالي قابلا للاستمرار؟ وهل يمكن أن يعول عليه الاقتصاد
العالمي؟ وهل يمكن لأمريكا أن تقود الاقتصاد العالمي مثلما قادته منذ
نهاية الحرب العالمية الثانية؟ أم أن هناك قوى أخرى ستظهر على ساحة
الاقتصاد العالمي؟
والمتأمل
في الأزمة الراهنة يجد أن محور الأزمة الراهنة وقع في إطار الرأسمالية
المالية، وعلى وجه الخصوص في شركات الرهن العقاري التي تسببت ديونها في
ضرب كافة المنتجات الرأسمالية من بورصة واسهم وسندات وبنوك ومصارف وشركات
تامين وصناديق ادخار وإقراض وصناديق سيادية وغيرها، وعبر هذا الشكل من
الرأسمالية تعرضت باقي الأشكال إلى أضرار فادحة لتلقي بتداعياتها على
الاقتصاد العالمي.
كل
ذلك يعتبر من المشتقات المالية التي اخترعها الشيطان الأكبر ووسوس بها إلى
العالم فانشأ الجشع والطمع المزيد من الربا ونسي العالم ]قوله تعالى: "يمحق الله الربا ويربي الصدقات" هذه
المشتقات المالية الشيطانية ليست أصولا مالية، وليست أصولا عينية إنها
عقود كسائر أنواع العقود، يترتب عليها حق لطرف والتزام على الطرف الآخر،
حيث يشتري الشخص أسهما أو سندات بسعر اليوم على أن يتسلمها في المستقبل
ودون أن يدفع الثمن حالا، وإذا خشي انخفاض سعرها بعد تسلمها والخسارة عند
بيعها فانه يتفق مع البائع على أن يعطيه حق الخيار في الرجوع عن الصفقة
بمقابل هذا الحق في الاختيار، وبناء عليه تم إصدار ورقة مالية بقيمة حق
الاختيار أي يبيع حق الشراء أو عدمه لشخص آخر إن انخفضت الأسهم بنسبة متفق
عليها ويتم تصفية العملية، وان ارتفعت الأسعار لا يشتري ولكن يأخذ الفرق
من البائع، أي أن المعاملة المالية تدور حول حق الخيار، وهذا هو المراهنة
(أي القمار) على الأسعار في المستقبل، بل وصل الأمر إلى إصدار أوراق مالية
بمؤشرات البورصات على انخفاض أو ارتفاع المؤشر يوما بعد يوم على فروق
الأسعار، وتم طرحها في الأسواق، وتم تداولها منفصلة عن السندات، وهذا مكمن الخطر الحقيقي الذي تكشف على نطاق واسع وتسبب في الجزء الأكبر من المشكلات المالية والاستثمارية والاقتصادية.
يرتبط
بسوق ما يسمى المشتقات المالية وهي سوق ربوية قائمة على القمار لأنها
معادلات افتراضية بالأساس وترتبط بمضاربات مستقبلية آجلة لتعاملات شبه
وهمية على النفط والمعادن النفيسة وغير النفيسة والسلع بالإضافة إلى
نوعيات مستخدمة من المعاملات المالية وتديرها أساسا المؤسسات المالية
والبنوك الكبرى والعملاقة وشركات التامين الديناصورية الأمريكية، التي
تحارب الله ورسوله قال تعالى: "يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وذروا
ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين* فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله
ورسوله وان تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون" البقرة 278- 279.
فمن يستطيع أن يحارب الله ورسوله؟ ومن وضع يده بيد الشيطان فهو دائما الخاسر.