روسيا بلد عظيم فهى بلاد بوشكين ومندليف ويورجاجارين شعراء وأدباء وعلماء
وسياسيين روس أثروا فى مجرى الحضارة البشرية فى المجلات المختلفة
=========
من القادة السياسيين فى الحياة الروسية ستالين
يختلف الكتاب والمؤرخون حول شخصية ستالين، فمنهم من يصفه بالديكتاتور المجرم الذي قتل أبناء شعبه، ومنهم من يعطيه بعض الأسباب التخفيفية والمبررات بالنظر إلى الأوضاع التي كانت سائدة في أيامه، داخليا وخارجيا، معتبرين أن الغاية "السامية" تبرر الوسيلة "غير السامية
ومصدر الخلاف يعود بالأساس إلى خلفيات هؤلاء الكتاب والمؤرخين. فذوو النزعة الغربية البحتة يعتبرونه مجرما، ولا يجدون مبررا واحدا لأعماله، والمؤيدون لمذهبه الفكري يعتبرونه بطلا و "شبه اله". أما الواقعيون فانهم يعددون حسناته وسيئاته، خالصين إلى التأكيد على عدم إمكانية تجاهل دوره الأساسي في أمرين شديدي الأهمية: النتيجة التي انتهت إليها الحرب العالمية الثانية والتي كان يمكن أن تنتهي إلى العكس تماما لولا وجود ستالين في الحكم. والأمر الثاني هو انه لم يكن غير ستالين (وأسلوبه) قادرا على تحويل الاتحاد السوفياتي في عشرين سنة من دولة مزارعين، لا يجدون في الغالب أرضا ليزرعوها، إلى دولة كبرى وقوة عظمى تمتلك القنبلة الهيدروجينية، وتنافس سائر دول العالم في كل مجالات العلوم والتكنولوجيا وغزو الفضاء
ونحن نضيف أن الأهم من كل ذلك هو أن ستالين "فعلها" من دون أية مساعدة خارجية، ولا حتى وجود أية رغبة بالتعاون، بسبب الحرب الباردة التي شنت على الاتحاد السوفياتي، ورفض معظم دول العالم في مراحل معينة، حتى إقامة علاقات ديبلوماسية مع الجبار "الشرقي" المتململ للنهوض
ولد يوسف فيزاريونوفيتش جوغاجفيلي ، الملقب ستالين نسبة إلى لفظة
"Stal"
ومعناها الصلب أو الحديد، في قرية غوري من أعمال جورجيا، في 21 كانون الأول ـ ديسمبر 1879. كان والده إسكافيا فقيرا يكثر من تناول الكحول وينهال على الصبي بالضرب الوحشي بسبب أو بدون سبب. أما أمه فكانت ابنة مزارع، وقد عملت في الخياطة وغسل الملابس لتساعد في تامين نفقات العائلة
دخل ستالين مدرسة تابعة للكنيسة الأرثوذكسية وهو في التاسعة من عمره. وتوفي والده عند بلوغه الرابعة عشرة، فأرسل إلى مدرسة اللاهوت الروسية في تبليسي ليتابع دروسه ويصير كاهنا. ولكن اهتمامه انصب على الشيوعية أكثر من اللاهوت، فطرد من المدرسة عام 1899 بتهمة التحريض على الشغب
بقي ستالين في تبليسي متنقلا من عمل إلى آخر، وما لبث أن انتسب إلى الحزب الديمقراطي الاشتراكي الروسي . وهكذا بدا يمارس التحريض على العصيان ضد القيصر. فكان يكتب المناشير التحريضية ويوزعها سرا. كما نظم العديد من الإضرابات في صفوف العمال في تبليسي. وقد لفتت نشاطاته كبار قادة الحزب فأرسلوه لتنظيم خلايا الحزب في باتومي، احد الموانئ على البحر الأسود
أدت نشاطاته الحزبية إلى اعتقاله سنة 1902 ثم إرساله إلى المنفى في سيبيريا. ولكنه فر للحال. وفيما بين 1902 و 1913 اعتقل ستالين
وأرسل إلى المنفى 6 مرات، فهرب في خمس مناسبات وأطلق سراحه في المرة السادسة. وقد اتخذ عددا من الأسماء المستعارة إلى أن استقر أخيرا على اسم ستالين سنة 1903 انقسم الحزب إلى بلاشفة وملاشفة ( كما بينا في الحلقة الخاصة بلينين)، لاعتراض الأخيرين على سياسة العنف، فانضم ستالين إلى البلاشفة بقيادة لينين وصار يترقى في مناصبه الحزبية وخصوصا في ولاية جورجيا حيث اعتبره مواطنوه بطلا قوميا. وقد حضر سائر المؤتمرات البولشفية التي عقدت خلال فترة وجود لينين خارج الاتحاد السوفياتي ( 1905 ـ فنلندا / 1906 ـ استوكهولم/ 1907 ـ لندن
في تلك الفترة بدأ لينين يتعرف إلى ستالين عن كثب، واعجب بقدراته التنظيمية الفذة، وإرادته الحديدية وعزمه الجبار. ومنذ ذلك الحين بات والاثنان يعملان عن كثب. وفي سنة 1912 جعله لينين عضوا في الهيئة المركزية للحزب ، وكان ستالين مواظبا على الكتابة في جريدة البرافدا (التي يقال انه هو مؤسسها الفعلي
اعتقل ستالين مجددا في 1912 ولكنه سرعان ما فر من المعتقل وتوجه إلى سان بترسبورغ حيث عمل على تأسيس خلية بولشيفية داخل مجلس الدوما - البرلمان القيصري عام 1913 اعتقل ستالين للمرة السادسة وأرسل إلى منطقة نائية جدا من سيبيريا تقع ضمن الدائرة القطبية. وكانت تلك المرة الوحيدة التي فشل فيها في الفرار. فبقي حتى سنة 1917 عندما عفت حكومة الكسندر كيرينسكي الانتقالية عن جميع المساجين السياسيين. وهكذا عاد ستالين إلى بترسبرغ حيث ساعد لينين في التحضيرات النهائية ثورة تشرين الأول ـ أكتوبر التاريخية. وقد كانت لإدارته تلك المرحلة اليد الطولى في نجاح الثورة
خلال الحرب الأهلية التي تلت الثورة عمل ستالين كمفوض سياسي للجيش البولشيفي على جبهات عديدة. وكان المفوضون السياسيون يتولون بعض المهمات العسكرية أيضا. وقد أظهر ستالين براعته الفائقة في التخطيط الستراتيجي والتكتيكي على السواء. وفي سنة 1918 قاد بنجاح عملية الدفاع عن مدينة تساريتسين الحيوية ضد الجيش الأبيض. وفي عام 1925 سميت المدينة ستالينغراد تيمننا باسمه. ثم أعيدت تسميتها فولغاغراد أثناء الحملة التي شهدها الاتحاد السوفياتي في الخمسينات والستينات للتقليل من أهمية ستالين
سنة 1921 قاد ستالين الهجوم الناجح على مقاطعة جورجيا ـ مسقط رأسه، وألحقها بالمقاطعات التابعة للشيوعيين الذين تخلوا عن تسميتهم السابقة ( البلاشفة). وفي السنة التالية صار لينين سكرتيرا عاما في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي. وقد ساعده دعم لينين وثقته المطلقة به على اكتساب المزيد من السلطة والقوة تدريجا. وان تكن بعض أساليب ستالين جعلت لينين يصفه بأنه "خشن اكثر من اللزوم
كان النقد آخر ما اكترث له ستالين، وقد عمل على إقصاء ليون تروتسكي الذي كان لفترة من أقرب المقربين إلى لينين. وما أن توفي لينين 1925 حتى أجبر ستالين تروتسكي على الاستقالة من منصبه كوزير للحربية ثم طرده من الحزب في 1927 ثم نفاه إلى المكسيك حيث اغتيل هناك. ويقال إن ستالين كان وراء اغتياله صار ستالين الحاكم المطلق للاتحاد السوفياتي فوضع نصب عينيه تحديث البلاد وجعلها دولة صناعية . وفي عام 1928، عندما أطلق أولى خططه الخمسية، أعلن : "إننا متخلفون عن سوانا من الدول بما بين 50 و100 سنة ، وعلينا أن نسبقهم خلال 10 سنوات
أعلن ستالين أن الأراضي الزراعية هي ملكيات جماعية لكل العاملين فيها. فرفض أصحابها الامتثال، وللحال أمر ستالين بمصادرة الأراضي وتأميمها. ولكن أصحابها ( القولاق) قاوموا ، فاستخدم ستالين القوة ضدهم ووسائل أخرى. إذ يقال انه عمل على خلق مجاعة في أوكرانيا حيث أكثرية القولاق، كان من نتيجتها أن قضى ما يقارب الثلاثة ملايين أوكراني جوعا
وفي العام 1936 شدت أعمال ستالين انتباه العالم مرة أخرى. إذ قام بعمليات تطهير واسعة في صفوف الجيش الأحمر وقدامى البلاشفة، ما ادى إلى تقوية مركزه. ويقال إن معظم هؤلاء كانوا ممن ساعدوا ستالين في الوصول إلى الحكم
وفي عام 1939 باغت ستالين العالم بتوقيعه معاهدة عدم اعتداء ألمانيا النازية. وخلال اقل من شهر بدأت ألمانيا هجومها على بولندا، الذي كان الشرارة التي أشعلت الحرب العالمية الثانية، ولكن معاهدة عدم الاعتداء سمحت للسوفيات أن يحتلوا القسم الشرقي من بولندا وان يهاجموا فنلندا وان يحتلوا مقاطعات من رومانيا دونما اعتراض من الألمان. وهكذا وسع ستالين حدوده مما شكل حاجزا بعيدا عن الأراضي السوفياتية نفسها
عام 1941 أدرك ستالين أن الهجوم الألماني على الاتحاد السوفياتي بات وشيكا، فأقال رئيس الوزراء مولوتوف وتولى المنصب بنفسه. وحين بدأت ألمانيا بالهجوم تولى ستالين قيادة الجيش أيضا، وأمر للحال بإعادة تنظيم الصناعة لتتناسب مع اقتصاد الحرب
لم يكن ستالين حليفا سهلا للغرب، فقد جابه رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل والرئيس الأميركي فرنكلين روزفلت في الاجتماعات التي عقدوها في يالطا وبوتسدام (1945)، وخاطبهم بعبارات جافة وصلبة، كما نقض معظم الاتفاقات التي وقعها معهم
بدا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية أن ستالين مصمم على جعل الاتحاد السوفياتي القوة العظمى في أوروبا وعلى فرض الشيوعية على العالم. وقد استطاع إيصال الأحزاب الشيوعية إلى الحكم في معظم بلدان أوروبا الشرقية، وحث الحزبين الشيوعيين في إيطاليا وفرنسا على العمل من دون كلل لتولي السلطة في البلدين. وكاد أن يشعل حربا عالمية ثالثة بسبب حصار برلين (1948 ـ 1949
لم تحفل السنوات التالية من حكم ستالين بالأحداث الهامة، ولكنه تابع سياساته وخطبه الخمسية التي أوصلت الاتحاد السوفياتي إلى أن يشكل قوة عظمى في مواجهة الغرب، لا بالقدرة العسكرية وحسب بل في كافة مجالات العلوم والتكنولوجيا والفنون وحتى الرياضة. وراحت المدارس والكليات والجامعات والمصانع تنتشر في كافة أنحاء البلاد، مقدمة نموذجا فريدا قد لا يتكرر مرة أخرى في التاريخ. فقد استطاعت دولة بقدراتها الذاتية، ودون ارث استعماري كإرث الدول الأوروبية، ودون أن تكون أراضيها غنية بالثروات الطبيعية كالولايات المتحدة، وفي ظروف مناخية صعبة جدا، وفي وسط عالم يعتمد نظامه الاقتصادي على "المال الذي يولد المال" لا على الجهد والكد في سبيل تكوين الثروة الوطنية، نقول استطاعت تلك الدولة أن تنافس وتتفوق على دول كانت لعشرين سنة خلت تتقدمها بعشرات السنين. وقد فعلت ذلك بقدراتها الذاتية وحدها ودون أن تعتمد الوسائل الأميركية في "استيراد الأدمغة
لقد حاول الإعلام الغربي ولا يزال التركيز على ما يسمى "ارتكابات" ستالين وتناسي "إنجازاته". ولم يكتف بما ذكر عن حياته العامة وحكمه، بل حاول الدخول إلى حياته الخاصة التي حرص ستالين دائما على إبعادها عن الإعلام. والقليلون من المقربين جدا هم الذين يعرفون شيئا عن حياته الخاصة. ولكن وسائل الإعلام الغربية لم تترك "أسطورة" عن حياته الخاصة إلا وفبركتها. من زوجاته إلى بناته إلى آخره. الأمر المؤكد أن أحد أبناء ستالين قد مات وهو أسير لدى الألمان، أي أن مركز والده لم يعفه من الخدمة العسكرية ومن القتال على جبهات الحرب لا بالنظارات. والأمر الآخر المؤكد أن ستالين كان في نظر معظم السوفيات بطلا قوميا وكما يقال فان ظلم ذوي القربى اشد مضاضة. فبعد وفاة ستالين في 5 آذار (مارس) 1953 وتحنيط جثمانه ودفنه إلى جانب لينين في الساحة الحمراء، قاد خليفته نيكيتا خروتشيف حملة لنزع صورته كبطل قومي من أذهان الناس، بمهاجمة أساليبه وطرائقه في الحكم. وقد أدى ذلك في نهاية الأمر إلى نقل جثمانه من الساحة الحمراء ودفنه في الكرملين إلى جانب القادة العاديين، كما أزيل اسمه عن الكثير من الساحات العامة والشوارع، وأعيدت تسمية ستالينغراد باسم فولغا غراد