الحسم الأمني؟
كل مراقب للأحداث السورية يدرك أن تعاطي السلطة مع الأحداث مغاير تماما لكل التوقعات
حتى المعارضون يكادون لايصدقون أن السلطات السورية التي كانت في منتهى القسوة في الثمانينات
... حتى هذه اللحظة لاتزال تظهر أقصى درجات ضبط النفس ولاتظهر العنف
الذي طالما هزت عصاه في وجه كل من تمرد على سلطة الدولة وهيبتها..
أرقام الرعب والضحايا والمعتقلين التي تروجها منظمات حقوقية ومنظمات حقوق الانسان
لم تعد يعول عليها لأن كل التقارير يطلقها مناصرو المعارضة
الذين يستعملون هذه المؤسسات الحقوقية والدولية كمنصات دعائية من غير حيادية
وتظهر فيها مبالغات وتناقضات كاريكاتيرية.
والأهم من كل ذلك أن المنظمات الحقوقية التي اعتدنا على سماعها في الماضي
كانت دوما تحاول جهدها توزيع المسؤولية على الأطراف مبتعدة /ولو بتكلف وتصنع/ قدر الامكان
عن اظهار نفسها وكأنها تتبنى ادعاءات طرف دون آخر ..
فمثلا عند اندلاع الانتفاضة الفلسطينية دأبت المنظمات الحقوقية الدولية على حث الطرفين
على ضبط النفس ونددت باستهداف المدنيين على الطرفين رغم أن الجانب الاسرائيلي
كان في منتهى التفوق العسكري ومنهى البطش والدموية
وانفرد شارون بأطفال الحجارة انفراد ذئب في حظيرة للمهار الصغيرة الأصيلة
وكان يأكل من أبناء الفلسطينيين كما أسماك القرش تأكل من أسراب سمك السردين..دون حساب.
أما منظمات حقوق الانسان هذه الأيام /القربي وزيتونة ورامي عبد الرحمن وو ..وكل فقس الناشطين الحقوقيين/
فهي التي تزودنا بأرقام الضحايا والجرحى والمعتقلين والمعذبين والمفرج عنهم بعد اعتقالهم
مرتين وثلاثا والمغيبين والمرهّبين والساقطين بنيران الشبيحة ونيران الفرقة الرابعة بالتفصيل الممل..
لكن هذه المنظمات لم تنبس ببنت شفة عن ضحية واحدة قتلها الثوار ولم نسمع أن هناك جرحا
أو حتى خدشا واحدا تسبب به عنف الثوار ..
ولم تفرج المنظمات الحقوقية عن نصيحة متوازنة تحث الطرفين مثلا على تجنب العنف ..
مثل هذا المشهد من الثوار السلميين الحمويين الذين ذبحوا بضعة رجال
ورموهم في نهر العاصي الذي صار عارا على أهل حماة والمسلمين وثوار سوريا (لاحظوا الطفل المسلح أيضا):
وبالعودة الى السؤال المطروح اذا ..لم لاتبدو الدولة متعجلة بالحل الذي طالما كرره جهابذة الثورة
ومولدو المصطلحات وهو أن الدولة اختارت /الحل الأمني/ ..
أي لم لم يدخل الجيش دخولا عنيفا مثلا الى احدى المدن ويلقن المتظاهرين درسا
في احترام الدولة وهيبتها وكان ذلك مثالا لكل مدينة تريد التمتع بهذه الفوضى من الحرية ؟؟
دخول الجيش الى كل المدن بما فيها جسر الشغور كان يعتمد الجراحة الدقيقة
واستئصال البؤر الملتهبة عسكريا بالسيطرة على المسلحين تحديدا دون اعتماد العقاب الجماعي
والاقتحامات الكاسحة على طريقة المارينز الأمريكي للفلوجة والقرى العراقية المنكوبة
أو على طريقة عبد الحليم خدام ورفعت الأسد ..
والسؤال الذي يجب أن يطرحه هؤلاء هو: ألا تستطيع الدولة القمعية المتوحشة التي تتوجعون منها
ارسال وحدات اعدام ميداني الى الطرقات أو دك مدينة يعتصم فيها المسلحون
بالحوامات والدبابات دون تمييز /قصف عشوائي/يقصد منه سحق معنويات المعتصمين والضغط نفسيا
عليهم عبر عائلاتهم المحاصرة أي على طريقة الثمانينات؟؟
البعض سيجتهد ويقول ان الكاميرات والهواتف النقالة تصور كل شيء
والأمر الآن ليس كالثمانينات وستكون فضيحة وادانة دولية بكل المقاييس ..
وهناك المحكمة الجنائية الدولية وهناك لاهاي وهناك وهناك ...
والرد هنا بسيط للغاية وهو أن الدول دون استثناء تمارس أقصى درجات العنف دون الاكتراث بالقانون الدولي
والمنظمات الحقوقية والادانات والمظاهرات الانسانية عندما يكون الأمر متعلقا بأمنها الوطني ..
وكل جرائم الحرب تمحوها الصفقات والأيام فمثلا قامت الولايات المتحدة أمام عيون العالم بقتل العراقيين علنا
والفضاءالالكتروني مليء ومشبع ومثقل بتوثيقات جرائمهم في أبو غريب
وفي مذبحة القلعة في أفغانستان والفلوجة
هناك موقع أمريكي فيه آلاف الصور الحقيقية عن العراقيين والعراقيات الذين تم ذبحهم
أو الجثث التي تأكلها الكلاب في البيوت والنساء الذبيحات على أسرّتهن والأطفال المقطعين
حيث لاتعرف لمن اليد ولمن الرأس ..
وكانت روسيا قبل ذلك قد فرمت الشيشانيين فرما موثقا بالصور والأفلام
ولم تعبأ بأحد لأن مصلحتها فوق القانون الدولي
وقبل عامين فتكت القوات الصينية بمسلمي الايغور بشراسة منقطعة النظير /وهم مواطنون صينيون/
عند تمردهم ولم تعبأ بكاميرا الجزيرة ولابمقالات فهمي هويدي ..
وكانت قبل ذلك بعدة سنوات قد اقتحمت ساحة تيان أنمين بالدبابات وأعملت بالمعتصمين سلاسل الدبابات...
دون أن ينبس العالم ببنت شفة...
الا بالادانة الشديدة طبعا التي انتهت الآن بأن الولايات المتحدة لحست كلامها
عن حقوق الانسان واستدانت حتى المهانة من البنوك الصينية..
أمثلة أخرى كثيرة منها أن الجيش التركي مسح قرى كردية بكاملها في الثمانينات عن وجه الأرض،
(ولاأزال أحتفظ بصور لجنود أتراك يسيرون في الجبال وبيد كل واحد منهم رأس مواطن كردي مقطوع
وقد يضطر السلطان أردوغان لعمل نفس الشيء في نفس تلك القرى
اذا مااشتد التمرد الكردي
كما يبدو الآن وسيكون من واجب الرئيس الأسد "أن ينصح رجب بقوة أن يستمع لصوت شعبه
وفي غزة أحرق أولمرت الغزاويين بالفوسفور الابيض وشوى أبناءهم بالقنابل الحارقة
وتلقى كميات هائلة من الادانة ..
وكان قبلها قد ألقى قنابل تعادل قنبلتي هيروشيما وناكازاكي الذريتين على مدنيي جنوب لبنان
وكانت منظمات حقوق الانسان تحاصره بالشجب والتأييد ولم تهتز شعرة واحدة على أطراف صلعته ..
وكان قبله بيريز وشارون قد سبحا طويلا واستحما في دم قانا وصبرا وشاتيلا..
ولم يقم القانون الدولي بعمل شيء أكثر من (الزعل منهما مؤقتا...
وفي أمريكا اللاتينية قام بينوشيه بذبح التشيليين بالآلاف وكان دائما معززا مكرما لدى الغربيين
حتى أن بعض المثرثرين بحقوق الانسان حاولوا اعتقاله عند زيارته لبريطانيا بعد تقاعده
لكنه أمضى 80 يوما في ضيافة الانكيز في فنادقهم الفخمة وقصورهم الى أن أصدر مجلس اللوردات قرارا بعدم تطبيق حكم المحاكم البريطانية عليه... وكان أن ودع بينوشيه بمثل مااستقبل به من حفاوة وتقدير...
سيقول القائلون بأن الأمثلة السابقة لدول قوية أو متحالفة مع الغرب وهذا صحيح ويدل بقوة على أن
حقوق الانسان انتقائية وتستعمل لغايات سياسية وأن كل صراخ الحقوقيين
لايستخدم الا في حالات تمزيق سودان حسن البشير وبهلوانيات سعد الحريري
ومماطلة سلوبودان ميلوسوفيتش وعراق صدام حسين..
والأمر الآخر هو أن الدولة السورية يبدو واضحا أنها قادرة جدا على الحسم العنيف وهي مسترخية لمعادلة دولية صارمة مدعومة بالكامل من روسيا والصين التي لم يبق لها في الشرق الأوسط الا هذا المكان وستقاتل من أجله خدمة مصالحها
وسيكون تأثير منظمات حقوق الانسان ومحكمة الجنايات الدولية كتأثيرها على جورج بوش وتوني بلير..
ولولا هذه المعادلة الفولاذية التي لاتتزحزح لما تجرأ المعلم وقال: لن نعتبر أوروبا على الخارطة..
اذا لماذا لاتحسم الدولة وتخلصنا وتخلصكم /أيها المعارضون/؟
الجواب هو ............... اسرائيل
ولكن كيف؟
أن المعادلة معقدة فمشروعنا كدولة سورية (أمّ لمشروع مقاوم) هو أن نحرض الجمهور على العداء تجاه اسرائيل وأن نبني حائط مواجهة نفسي مع اسرائيل وأميريكا، والحائط لايكون منيعا اذا كان هناك شعور عام لدى الجمهور أن الدولة تريد محاربة اسرائيل فيما هي تتصرف بعدوانية كاسرائيل ... وهنا نلاحظ الملاحظة الهامة التالية:
ان المعارضين السوريين يروجون في الشارع عمدا شعار
اللي بيقتل شعبه خاين -وتقصد الرئيس الأسد
رغم أن المعارضة متورطة جدا بالقتل..
وشعار الأسد يستعمل الجيش لقتل شعبه بدل تحرير الجولان
ويستميت المعارضون لتصوير مشاهد مفبركة تصور جنودا من الحرس الجمهوري
يمثلون بالجثثوهم في الحقيقة مقاتلون اسلاميون يرتدون زي الجيش فقط لغايات التصوير
كما ظهر في مجموعة جسر الشغور التي صورت تلك المشاهد ونكلت بجثث الأمن على أنهم مدنيون سويون
كل ذلك من أجل اخراج مشاعر الناس من العدوانية تجاه اسرائيل نحو الحيادية
تجاهها وكي يتراجع الايمان بمشروع مواجهة اسرائيل الذي يحاول اللاعبون الرئيسيون
المحركون لدمى المعارضة مثل هنري ليفي
) جعل مشروع قتال اسرائيل خاليا من المعنى الوطني وغير مدفوع بالوعي الجماعي لهذه المعركة
أي سيصبح شعور الناس أن اسرائيل ليست القاتلة بل نظام الحكم السوري ..
والانسان لايستطيع أن يقاتل عدوه /اسرائيل/ اذا استؤصل منه هذا الشعور بالعدائية تجاهه
ليحل محله شعور بالعدوانية نحو آخر..وهذا الآخر هو الجيش الوطني وحلفاؤه..
والملاحظ أن المعارضة تحاول باستماتة وخبث اقناع الناس أن حزب الله وجنودا ايرانيين
يمارسون قتل المتظاهرين دعما للأسد بل وتعزز ذلك باطلاق متظاهرين وشعارات ضد حسن نصرالله
كما لو كان ضالعا في القتل ..
والمراقب يلاحظ أن القوى العسكرية الرئيسية المرشحة لمواجهة اسرائيل هي السورية والايرانية وحزب الله
ولذلك لابد من اقناع الناس أن تحرف عدوانيتها من اسرائيل باتجاه هذه القوى الثلاث ..
فليست هي الصدفة الاعلامية وحدها التي اختارت هذه القوى الثلاثة لتكون في مواجهة المتظاهرين ..
فلماذا لم يتم اختيار ميليشيا أخرى تقمع السوريين؟؟ مثل الحزب القومي السوري أو ميليشيا تيار التوحيد اللبناني لوئام وهاب
أو تيار المردة لسليمان فرنجية أو جيش المهدي أو قوات الجبهة العامة لتحرير فلسطين /أحمد جبريل/
أو حتى حماس ...وهؤلاء كلهم حلفاء للأسد ..
والتفسير هو أن المطلوب تصوير الأزمة في سوريا على أنها طائفية بين العلويين (الشيعة) والسنة
وكذلك لأن القوى العسكرية الرئيسية التي يجب تحويل غضب السوريين نحوها هي القوى
التي تهدد اسرائيل فعليا وبجدية خطرة وباقي الحلفاء الصغار عسكريا
لاداعي لادخالهم في اللعبة النفسية لأن ذلك غير ضروري كما أنه قد يخرب الانطباع العام أنها تحالف شيعي ضد السنة
أن انتزاع العدوانية تجاه اسرائيل مثلا هو بالضبط مافعله فريق السادات بنجاح
عندما أراد تحويل عداء المصريين عن اسرائيل، فكرر الساداتيون مخاطبة المصريين بمقولة:
أننا حاربنا في أكتوبر بدم أولادنا المصريين والذي حصل أن سعر النفط زاد بسبب الحرب فصار عرب الخليج أثرياء أكثر
وترفهوا وأفسدوا على حساب دمنا..
ولما طلبنا بعد الحرب أن يساندونا اقتصاديا بعد التوسل والشحاتة "كبس على نفسه ملك السعودية وادانا 25 مليون دولار" على عتبة الباب عندما ودعه السادات...الذي قال:
(العرب باعوا دم ولادنا ب 25 مليون دولار ...اذا احنا بنحارب ليه؟؟؟!!!
وهنا وقعت القطيعة النفسية فرغم أن المصريين لم يتقبلوا اسرائيل
فان مستوى عدائهم لها انتقل الى مستوى اللاحرب فكيف يحاربون بدمهم فيما يتحول دمهم
الى رافعة لسعر النفط وتتدفق الثروة على العرب .
.العرب الآن أجدر بالعداء أو على الأقل لادخل لنا بصراعهم مع اسرائيل
وهذا لب القصيد من السلام مهما كان باردا..وحافظت اسرائيل بموجبه على حالة السلام التي تريد..
انها نفس فكرة ترويج أن أسرة الأسد ومخلوف تسرق الشعب وتترفه على حسابه وهو يدفع الثمن والدم
فلماذا يحارب السوري اسرائيل من أجل مجد هذه العائلة الفاسدة التي تقتل السوريين وتنكل بهم؟؟
والفكرة تلاقي استجابة من البسطاء
لذلك تحاول اسرائيل عبر المعارضة السورية باستماتة استعمال السلاح بعنف
وتصوير العنف والتباهي به على اليوتيوب لاجبار السلاح على الطرف الآخر /الدولة السورية/
كي يفقد أعصابه ويقوم بحسم عنيف..يولد الشعور بالعدوانية ضد الدولة..
ولذلك نجد أن تحريك بعض الدبابات على أطراف حماة لفتح الطرقات وافراغها من المسلحين
استقبلته وكالات الأنباء الدولية باهتمام ووفرت التغطية الاعلامية السخية له
وترك ممثلو المعارضة وحقوق الانسان يمارسون التضخيم والتهويل والكذب والشحن من غير مقاطعة ولاحساب..
وهنا امتنعت السلطات السورية عن الحسم السريع
ولجأت الدولة الى اسلوب الحسم بالقضم البطيء للمواقع المتمردة
وأظهرت للمتمردين عزمها على استئصالهم بطريقة هادئة جراحية ناجحة جدا
دون ارتكاب مذبحة مدنيين يستخدمهم السلفيون دروعا بشرية
فتم قتل المقاتلين المتظرفين فيما بدأ الباقون بالفرار /كما حدث في جسر الشغور/
وهذا ماأرادته الدولة ..
اخلاء ناعما لاسقاط خيار الدعم الدولي لبؤرة ملتهبة عبر رفض اجتياح عاصف للجيش لها....
بعض السوريين يتصرفون بسذاجة ويعتقدون أن هيبة الدولة سقطت
وأن حاجز الخوف سقط فيما أن الدولة قادرة على استرداد هذه الهيبة خلال 3 أيام عنيفة ..
ولكن هذا ليس خيارها بل خيارها القضم البطيء القاطع
وأن يتشقق التمرد ويتآكل كما بدأ ثوار ليبيا يأكلون بعضهم حيث بدأت الوليمة
بعبد الفتاح يونس قائد الربيع الليبي..وهي -أي الدولة- تدرك أن
قادة المعارضة تواقون لرؤية مجزرة جديدة تزيد من الشرخ بين السلطة والناس
الذين في غالبيتهم حافظوا على ولائهم للرئيس وانحيازهم لوجود الدولة القوية..
وقادة المعارضة مشدوهون من موقف الدولة من حماة ومشاغبيها ومحاولة السفير الأميريكي استفزاز السلطة
واعطاء المشاغبين شعورا مطلقا بالغطاء الواقي الأمريكي لتحركهم وبلطجتهم وتحديهم للدولة
ليمعنوا في الاستفزاز لاستدراج الدولة الى معركة عنيفة منتهية لصالحه
نقلاً عن الجيش السوري الالكتروني
كل مراقب للأحداث السورية يدرك أن تعاطي السلطة مع الأحداث مغاير تماما لكل التوقعات
حتى المعارضون يكادون لايصدقون أن السلطات السورية التي كانت في منتهى القسوة في الثمانينات
... حتى هذه اللحظة لاتزال تظهر أقصى درجات ضبط النفس ولاتظهر العنف
الذي طالما هزت عصاه في وجه كل من تمرد على سلطة الدولة وهيبتها..
أرقام الرعب والضحايا والمعتقلين التي تروجها منظمات حقوقية ومنظمات حقوق الانسان
لم تعد يعول عليها لأن كل التقارير يطلقها مناصرو المعارضة
الذين يستعملون هذه المؤسسات الحقوقية والدولية كمنصات دعائية من غير حيادية
وتظهر فيها مبالغات وتناقضات كاريكاتيرية.
والأهم من كل ذلك أن المنظمات الحقوقية التي اعتدنا على سماعها في الماضي
كانت دوما تحاول جهدها توزيع المسؤولية على الأطراف مبتعدة /ولو بتكلف وتصنع/ قدر الامكان
عن اظهار نفسها وكأنها تتبنى ادعاءات طرف دون آخر ..
فمثلا عند اندلاع الانتفاضة الفلسطينية دأبت المنظمات الحقوقية الدولية على حث الطرفين
على ضبط النفس ونددت باستهداف المدنيين على الطرفين رغم أن الجانب الاسرائيلي
كان في منتهى التفوق العسكري ومنهى البطش والدموية
وانفرد شارون بأطفال الحجارة انفراد ذئب في حظيرة للمهار الصغيرة الأصيلة
وكان يأكل من أبناء الفلسطينيين كما أسماك القرش تأكل من أسراب سمك السردين..دون حساب.
أما منظمات حقوق الانسان هذه الأيام /القربي وزيتونة ورامي عبد الرحمن وو ..وكل فقس الناشطين الحقوقيين/
فهي التي تزودنا بأرقام الضحايا والجرحى والمعتقلين والمعذبين والمفرج عنهم بعد اعتقالهم
مرتين وثلاثا والمغيبين والمرهّبين والساقطين بنيران الشبيحة ونيران الفرقة الرابعة بالتفصيل الممل..
لكن هذه المنظمات لم تنبس ببنت شفة عن ضحية واحدة قتلها الثوار ولم نسمع أن هناك جرحا
أو حتى خدشا واحدا تسبب به عنف الثوار ..
ولم تفرج المنظمات الحقوقية عن نصيحة متوازنة تحث الطرفين مثلا على تجنب العنف ..
مثل هذا المشهد من الثوار السلميين الحمويين الذين ذبحوا بضعة رجال
ورموهم في نهر العاصي الذي صار عارا على أهل حماة والمسلمين وثوار سوريا (لاحظوا الطفل المسلح أيضا):
وبالعودة الى السؤال المطروح اذا ..لم لاتبدو الدولة متعجلة بالحل الذي طالما كرره جهابذة الثورة
ومولدو المصطلحات وهو أن الدولة اختارت /الحل الأمني/ ..
أي لم لم يدخل الجيش دخولا عنيفا مثلا الى احدى المدن ويلقن المتظاهرين درسا
في احترام الدولة وهيبتها وكان ذلك مثالا لكل مدينة تريد التمتع بهذه الفوضى من الحرية ؟؟
دخول الجيش الى كل المدن بما فيها جسر الشغور كان يعتمد الجراحة الدقيقة
واستئصال البؤر الملتهبة عسكريا بالسيطرة على المسلحين تحديدا دون اعتماد العقاب الجماعي
والاقتحامات الكاسحة على طريقة المارينز الأمريكي للفلوجة والقرى العراقية المنكوبة
أو على طريقة عبد الحليم خدام ورفعت الأسد ..
والسؤال الذي يجب أن يطرحه هؤلاء هو: ألا تستطيع الدولة القمعية المتوحشة التي تتوجعون منها
ارسال وحدات اعدام ميداني الى الطرقات أو دك مدينة يعتصم فيها المسلحون
بالحوامات والدبابات دون تمييز /قصف عشوائي/يقصد منه سحق معنويات المعتصمين والضغط نفسيا
عليهم عبر عائلاتهم المحاصرة أي على طريقة الثمانينات؟؟
البعض سيجتهد ويقول ان الكاميرات والهواتف النقالة تصور كل شيء
والأمر الآن ليس كالثمانينات وستكون فضيحة وادانة دولية بكل المقاييس ..
وهناك المحكمة الجنائية الدولية وهناك لاهاي وهناك وهناك ...
والرد هنا بسيط للغاية وهو أن الدول دون استثناء تمارس أقصى درجات العنف دون الاكتراث بالقانون الدولي
والمنظمات الحقوقية والادانات والمظاهرات الانسانية عندما يكون الأمر متعلقا بأمنها الوطني ..
وكل جرائم الحرب تمحوها الصفقات والأيام فمثلا قامت الولايات المتحدة أمام عيون العالم بقتل العراقيين علنا
والفضاءالالكتروني مليء ومشبع ومثقل بتوثيقات جرائمهم في أبو غريب
وفي مذبحة القلعة في أفغانستان والفلوجة
هناك موقع أمريكي فيه آلاف الصور الحقيقية عن العراقيين والعراقيات الذين تم ذبحهم
أو الجثث التي تأكلها الكلاب في البيوت والنساء الذبيحات على أسرّتهن والأطفال المقطعين
حيث لاتعرف لمن اليد ولمن الرأس ..
وكانت روسيا قبل ذلك قد فرمت الشيشانيين فرما موثقا بالصور والأفلام
ولم تعبأ بأحد لأن مصلحتها فوق القانون الدولي
وقبل عامين فتكت القوات الصينية بمسلمي الايغور بشراسة منقطعة النظير /وهم مواطنون صينيون/
عند تمردهم ولم تعبأ بكاميرا الجزيرة ولابمقالات فهمي هويدي ..
وكانت قبل ذلك بعدة سنوات قد اقتحمت ساحة تيان أنمين بالدبابات وأعملت بالمعتصمين سلاسل الدبابات...
دون أن ينبس العالم ببنت شفة...
الا بالادانة الشديدة طبعا التي انتهت الآن بأن الولايات المتحدة لحست كلامها
عن حقوق الانسان واستدانت حتى المهانة من البنوك الصينية..
أمثلة أخرى كثيرة منها أن الجيش التركي مسح قرى كردية بكاملها في الثمانينات عن وجه الأرض،
(ولاأزال أحتفظ بصور لجنود أتراك يسيرون في الجبال وبيد كل واحد منهم رأس مواطن كردي مقطوع
وقد يضطر السلطان أردوغان لعمل نفس الشيء في نفس تلك القرى
اذا مااشتد التمرد الكردي
كما يبدو الآن وسيكون من واجب الرئيس الأسد "أن ينصح رجب بقوة أن يستمع لصوت شعبه
وفي غزة أحرق أولمرت الغزاويين بالفوسفور الابيض وشوى أبناءهم بالقنابل الحارقة
وتلقى كميات هائلة من الادانة ..
وكان قبلها قد ألقى قنابل تعادل قنبلتي هيروشيما وناكازاكي الذريتين على مدنيي جنوب لبنان
وكانت منظمات حقوق الانسان تحاصره بالشجب والتأييد ولم تهتز شعرة واحدة على أطراف صلعته ..
وكان قبله بيريز وشارون قد سبحا طويلا واستحما في دم قانا وصبرا وشاتيلا..
ولم يقم القانون الدولي بعمل شيء أكثر من (الزعل منهما مؤقتا...
وفي أمريكا اللاتينية قام بينوشيه بذبح التشيليين بالآلاف وكان دائما معززا مكرما لدى الغربيين
حتى أن بعض المثرثرين بحقوق الانسان حاولوا اعتقاله عند زيارته لبريطانيا بعد تقاعده
لكنه أمضى 80 يوما في ضيافة الانكيز في فنادقهم الفخمة وقصورهم الى أن أصدر مجلس اللوردات قرارا بعدم تطبيق حكم المحاكم البريطانية عليه... وكان أن ودع بينوشيه بمثل مااستقبل به من حفاوة وتقدير...
سيقول القائلون بأن الأمثلة السابقة لدول قوية أو متحالفة مع الغرب وهذا صحيح ويدل بقوة على أن
حقوق الانسان انتقائية وتستعمل لغايات سياسية وأن كل صراخ الحقوقيين
لايستخدم الا في حالات تمزيق سودان حسن البشير وبهلوانيات سعد الحريري
ومماطلة سلوبودان ميلوسوفيتش وعراق صدام حسين..
والأمر الآخر هو أن الدولة السورية يبدو واضحا أنها قادرة جدا على الحسم العنيف وهي مسترخية لمعادلة دولية صارمة مدعومة بالكامل من روسيا والصين التي لم يبق لها في الشرق الأوسط الا هذا المكان وستقاتل من أجله خدمة مصالحها
وسيكون تأثير منظمات حقوق الانسان ومحكمة الجنايات الدولية كتأثيرها على جورج بوش وتوني بلير..
ولولا هذه المعادلة الفولاذية التي لاتتزحزح لما تجرأ المعلم وقال: لن نعتبر أوروبا على الخارطة..
اذا لماذا لاتحسم الدولة وتخلصنا وتخلصكم /أيها المعارضون/؟
الجواب هو ............... اسرائيل
ولكن كيف؟
أن المعادلة معقدة فمشروعنا كدولة سورية (أمّ لمشروع مقاوم) هو أن نحرض الجمهور على العداء تجاه اسرائيل وأن نبني حائط مواجهة نفسي مع اسرائيل وأميريكا، والحائط لايكون منيعا اذا كان هناك شعور عام لدى الجمهور أن الدولة تريد محاربة اسرائيل فيما هي تتصرف بعدوانية كاسرائيل ... وهنا نلاحظ الملاحظة الهامة التالية:
ان المعارضين السوريين يروجون في الشارع عمدا شعار
اللي بيقتل شعبه خاين -وتقصد الرئيس الأسد
رغم أن المعارضة متورطة جدا بالقتل..
وشعار الأسد يستعمل الجيش لقتل شعبه بدل تحرير الجولان
ويستميت المعارضون لتصوير مشاهد مفبركة تصور جنودا من الحرس الجمهوري
يمثلون بالجثثوهم في الحقيقة مقاتلون اسلاميون يرتدون زي الجيش فقط لغايات التصوير
كما ظهر في مجموعة جسر الشغور التي صورت تلك المشاهد ونكلت بجثث الأمن على أنهم مدنيون سويون
كل ذلك من أجل اخراج مشاعر الناس من العدوانية تجاه اسرائيل نحو الحيادية
تجاهها وكي يتراجع الايمان بمشروع مواجهة اسرائيل الذي يحاول اللاعبون الرئيسيون
المحركون لدمى المعارضة مثل هنري ليفي
) جعل مشروع قتال اسرائيل خاليا من المعنى الوطني وغير مدفوع بالوعي الجماعي لهذه المعركة
أي سيصبح شعور الناس أن اسرائيل ليست القاتلة بل نظام الحكم السوري ..
والانسان لايستطيع أن يقاتل عدوه /اسرائيل/ اذا استؤصل منه هذا الشعور بالعدائية تجاهه
ليحل محله شعور بالعدوانية نحو آخر..وهذا الآخر هو الجيش الوطني وحلفاؤه..
والملاحظ أن المعارضة تحاول باستماتة وخبث اقناع الناس أن حزب الله وجنودا ايرانيين
يمارسون قتل المتظاهرين دعما للأسد بل وتعزز ذلك باطلاق متظاهرين وشعارات ضد حسن نصرالله
كما لو كان ضالعا في القتل ..
والمراقب يلاحظ أن القوى العسكرية الرئيسية المرشحة لمواجهة اسرائيل هي السورية والايرانية وحزب الله
ولذلك لابد من اقناع الناس أن تحرف عدوانيتها من اسرائيل باتجاه هذه القوى الثلاث ..
فليست هي الصدفة الاعلامية وحدها التي اختارت هذه القوى الثلاثة لتكون في مواجهة المتظاهرين ..
فلماذا لم يتم اختيار ميليشيا أخرى تقمع السوريين؟؟ مثل الحزب القومي السوري أو ميليشيا تيار التوحيد اللبناني لوئام وهاب
أو تيار المردة لسليمان فرنجية أو جيش المهدي أو قوات الجبهة العامة لتحرير فلسطين /أحمد جبريل/
أو حتى حماس ...وهؤلاء كلهم حلفاء للأسد ..
والتفسير هو أن المطلوب تصوير الأزمة في سوريا على أنها طائفية بين العلويين (الشيعة) والسنة
وكذلك لأن القوى العسكرية الرئيسية التي يجب تحويل غضب السوريين نحوها هي القوى
التي تهدد اسرائيل فعليا وبجدية خطرة وباقي الحلفاء الصغار عسكريا
لاداعي لادخالهم في اللعبة النفسية لأن ذلك غير ضروري كما أنه قد يخرب الانطباع العام أنها تحالف شيعي ضد السنة
أن انتزاع العدوانية تجاه اسرائيل مثلا هو بالضبط مافعله فريق السادات بنجاح
عندما أراد تحويل عداء المصريين عن اسرائيل، فكرر الساداتيون مخاطبة المصريين بمقولة:
أننا حاربنا في أكتوبر بدم أولادنا المصريين والذي حصل أن سعر النفط زاد بسبب الحرب فصار عرب الخليج أثرياء أكثر
وترفهوا وأفسدوا على حساب دمنا..
ولما طلبنا بعد الحرب أن يساندونا اقتصاديا بعد التوسل والشحاتة "كبس على نفسه ملك السعودية وادانا 25 مليون دولار" على عتبة الباب عندما ودعه السادات...الذي قال:
(العرب باعوا دم ولادنا ب 25 مليون دولار ...اذا احنا بنحارب ليه؟؟؟!!!
وهنا وقعت القطيعة النفسية فرغم أن المصريين لم يتقبلوا اسرائيل
فان مستوى عدائهم لها انتقل الى مستوى اللاحرب فكيف يحاربون بدمهم فيما يتحول دمهم
الى رافعة لسعر النفط وتتدفق الثروة على العرب .
.العرب الآن أجدر بالعداء أو على الأقل لادخل لنا بصراعهم مع اسرائيل
وهذا لب القصيد من السلام مهما كان باردا..وحافظت اسرائيل بموجبه على حالة السلام التي تريد..
انها نفس فكرة ترويج أن أسرة الأسد ومخلوف تسرق الشعب وتترفه على حسابه وهو يدفع الثمن والدم
فلماذا يحارب السوري اسرائيل من أجل مجد هذه العائلة الفاسدة التي تقتل السوريين وتنكل بهم؟؟
والفكرة تلاقي استجابة من البسطاء
لذلك تحاول اسرائيل عبر المعارضة السورية باستماتة استعمال السلاح بعنف
وتصوير العنف والتباهي به على اليوتيوب لاجبار السلاح على الطرف الآخر /الدولة السورية/
كي يفقد أعصابه ويقوم بحسم عنيف..يولد الشعور بالعدوانية ضد الدولة..
ولذلك نجد أن تحريك بعض الدبابات على أطراف حماة لفتح الطرقات وافراغها من المسلحين
استقبلته وكالات الأنباء الدولية باهتمام ووفرت التغطية الاعلامية السخية له
وترك ممثلو المعارضة وحقوق الانسان يمارسون التضخيم والتهويل والكذب والشحن من غير مقاطعة ولاحساب..
وهنا امتنعت السلطات السورية عن الحسم السريع
ولجأت الدولة الى اسلوب الحسم بالقضم البطيء للمواقع المتمردة
وأظهرت للمتمردين عزمها على استئصالهم بطريقة هادئة جراحية ناجحة جدا
دون ارتكاب مذبحة مدنيين يستخدمهم السلفيون دروعا بشرية
فتم قتل المقاتلين المتظرفين فيما بدأ الباقون بالفرار /كما حدث في جسر الشغور/
وهذا ماأرادته الدولة ..
اخلاء ناعما لاسقاط خيار الدعم الدولي لبؤرة ملتهبة عبر رفض اجتياح عاصف للجيش لها....
بعض السوريين يتصرفون بسذاجة ويعتقدون أن هيبة الدولة سقطت
وأن حاجز الخوف سقط فيما أن الدولة قادرة على استرداد هذه الهيبة خلال 3 أيام عنيفة ..
ولكن هذا ليس خيارها بل خيارها القضم البطيء القاطع
وأن يتشقق التمرد ويتآكل كما بدأ ثوار ليبيا يأكلون بعضهم حيث بدأت الوليمة
بعبد الفتاح يونس قائد الربيع الليبي..وهي -أي الدولة- تدرك أن
قادة المعارضة تواقون لرؤية مجزرة جديدة تزيد من الشرخ بين السلطة والناس
الذين في غالبيتهم حافظوا على ولائهم للرئيس وانحيازهم لوجود الدولة القوية..
وقادة المعارضة مشدوهون من موقف الدولة من حماة ومشاغبيها ومحاولة السفير الأميريكي استفزاز السلطة
واعطاء المشاغبين شعورا مطلقا بالغطاء الواقي الأمريكي لتحركهم وبلطجتهم وتحديهم للدولة
ليمعنوا في الاستفزاز لاستدراج الدولة الى معركة عنيفة منتهية لصالحه
نقلاً عن الجيش السوري الالكتروني