واهم من يظن أن كل من يدافع عن سوريا يعشق النظام فيها ويعتبره نظاما ًمثالياً، ويؤمن بأحقية الدكتور بشار الأسد في أن يكون رئيساً للبلد مدى الحياة ثم يورث الرئاسة لإبنه. على العكس، فقد يكون أشد المدافعين عن سوريا اليوم يشتركون أيضاً في كونهم من أشد منتقدي النظام، إنما ليس انطلاقاً من رغبتهم في أن يروا الدم السوري يسيل أنهاراً، كما يفعل أحمد شلبي سوريا - ابن غليون، بل من منطلق الحرص على سوريا وشعبها ومن الإيمان بأن الشعب السوري يستحق نظام حكم يليق بمكانته الحضارية. وقد يكونون، حتى وهم غير سوريين، قد ذاقوا مرارة النظام في سوريا، فكاتب هذه السطور، مثلاً، هرب من سوريا عام 1984، وذلك بعد ثلاث سنوات من الهرب إليها منالعراق، ولم يعد إلى سوريا إلا بعد اثنتين وعشرين سنة، أما إلى العراق فإلى اليوم.
إنْ أنسَ أيامي في سوريا فلن أنسى ذلك اليوم الذي قضيته في ضيافة الفرع 279 في دمشق عام 1982 وما تعرضت له، كأنه كان يوماً آخر في ضيافة الأمن في بغداد.
هذا غيض من فيض كان في حينه يجعلني أفكر بأن الشعب السوري يجمّع بركان غضب سينفجر ذات يوم لأن المواطن هنا، كمافي العراق، يتعرض للإهانة صباح مساء. العياذ بالله من سرايا الدفاع وألف مرة العياذ بالله من فروع المخابرات التي يشعر بطغيانها واستهتارها "الغريب" فكيف بالمواطن؟
حين عدت إلى سوريا عام 2006 لم يكن ذلك لأني اشتقت إلى ضيافة الفرع 279، ولكن لألتقي ببعض أفراد عائلتي بعدربع قرن على فراقهم. لم نستطع أن نلتقي إلا في سوريا.
وكم جلست بعد عودتي منها أحاول أن أكتب رسالة إلى الدكتور بشار الأسد، لأحذره من أن سوريا في عام 2006 هي نفسها التي دخل إليها إيلي كوهين قبل أكثر من أربعين سنة، وأن إسرائيل بإمكانها أن تُدخل قنابل هيدروجينية إلى سوريا كل يوم ولن يكلفها ذلك في المرة الواحدة أكثر من عشر دولارات يضعها حامل القنبلة في جواز سفره وهو يناوله لشرطة الحدود فيتيسر دون تفتيش أو تدقيق. مع الأسف. أليس كذلك؟ وإلا كيف دخلت كل هذه الأسلحة إلى الإرهابيين بحيث نشروا الرعب في مدن كثيرة وتحصنوا فيها متحدّين الجيش نفسه؟
تأخرت ثورة الشعب السوري. لا بأس.
ثم جاءت، على غير عادة الثورات الشعبية، منطلقة من الجوامع وليس من الجامعات أو المصانع.
لا بأس أيضاً، المهم أن تثور الشعوب لكي تأخذ مقدراتها بأيديها.
نعم، يجب أن نشدد على عبارة "لكي تأخذ مقدراتها بأيديها".
وإلى هنا فإن قلبي وروحي وقلمي مع كل سوري يثور من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية، مثلما كان قلبي وما ملكت يداي مع كل من كان يجاهد ويكافح ويناضل لإسقاط صدام حسين.
فعلنا ذلك لسنوات طويلة أنا ورفاقي الذين كنا نحلم بعراق بلا صدام حسين، لأبقى بعد ذلك أعيش العمر حسرات وألماً،
فلم نكن نعرف أن كل كلمة نقولها ونكتبها ضد صدام حسين وكل قطرة دم ننزفها للخلاص من صدام حسين إنما تزيد رصيد أعداء العراق بدءً من إسرائيل وأمريكا ومروراً بشيوخ وملوك الخليج العفنين وصولاً إلى أحمد شلبي وإياد علاوي ونوري المالكي وطارق الهاشمي ومن لف لفهم.
ذهب صدام حسين، ولكن أي نهار طلع علينا؟ بل أي ليل كدر كلكل علينا؟ كان صدام سيئاً؟
ولكن العراق كان جميلاً وعظيماً ورائعاً وآمناً ومتقدماً ودولة وجيشاً وكياناً؛ لم نكن نرى ذلك. لم نكن نعرف أننا، رغم كل شيء، كان لنا وطن، والحكام يذهبون والوطن يبقى.
وطبعاً، لم نكن نعرف أن المعارضات كانت تخون الشعب وتخون الوطن؛ حتى قادة الشيوعيين الذين أصموا آذاننا بنعيقهم عن "وطن حر وشعب سعيد" سال لعابهم لرواتب الـ سي آي أي، فخانوا الوطن وباعوا الشعب وباركوا الاحتلال، وصاروا يعملون تحت إشراف بريمر.
نحن كنا نريد أن يذهب صدام، لكن هم كانوا يريدون أن يذهب العراق ، فذهب.
كنا نريد ثورة شعب تطيح بصدام، أو على الأقل إنقلاب عسكري يخلصنا منه، لكن هم كانوا يهيئون احتلالاً ودماراً وطائفية والموت الزؤام. ألايعيد التاريخ نفسه اليوم في سوريا؟ وأنا أصر على أن بشار الأسد ليس سيئاً، وإن لم يكن له حق في وراثة الحكم أو توريثه.
خرجت مقدراتنا من أيدي نظام صدام، وصارت بأيدي من؟ ليس بأيدينا.
غبي من يعيد تجربة العراق، وغبي ذلك السوري الذي يهدر لحظة من عمره وذرة من طاقته في محاربة بشار الأسد، وهو لا يدري أن ما يفعله حتى إن أزاح الأسد (لا سامح الله) فلن يحقق شيئاً غير أن يجعل سوريا محرقة لأبنائها ومرتعاً للجريمة و.. هل أحتاج إلى أن أقول لأي شيء أصبح العراق مرتعاً؟ ربما كنا نحن معذورين لأننا تفاجأنا بالأمور تنقلب بين ليلة وضحاها ليصبح العراق، وليس صدام حسين، هدفاً للعدوان.
أما السوري فليس معذوراً فهو يرى أن المال والسلاح الذي يحرك "ثورته" يأتيان منحكام الخليج العفنين، ولهذا لا تصب هذه "الثورة" إلا في مصلحتهم، وشتان بين مايصلح لهم وما يصلح لسوريا.
غبي ومغفل من يضع مقدرات سوريا في أيدي حكام الخليج الملطخة بدماء أطفال العراق وأطفال ليبيا.
هل هناك فساد ومليون عاطل عن العمل في سوريا؟ مأساة، ولكن من لا يجد عملاً اليوم يجده غداً بعد أن يرتد كيد الأباعر إلى نحورهم.
مليون عاطل عن العمل، ولا مليون قتيل ومليون أرملة وأربعة ملايين يتيم وستة ملايين مشرد في كل أصقاع الأرض،
ومليون مصاب بالسرطان ومليون مولود مشوّه بفعل الأسلحة المحرمة التي استخدمها الأمريكان وموّلها حكام السعودية.
نعم أخي السوري، هذا ما يريده لكم خادم الأمريكان والإسرائيليين، وهذا ما يعدكم به شيخ التخلف العقلي في قطر.
متى يا أخي السوري كان ملك السعودية وشيخ قطر المتخلف عقلياً حريصين على حريتك أو حرية غيرك؟هؤلاء أناس بلا ذمة ولا ضمير. لقد جعلنا العراق على مدى ثماني سنوات بوابة شرقية للأمة وبذلنا دماء مئات الآلاف من شبابنا، وصرفنا آخر دينار في خزينة الدولة لنحمي هؤلاء القردة من إيران؟ فماذا كان جزاؤنا بمجرد أن انتصرنا على إيران؟
صاروا يسرقون نفطنا وأغرقوا الأسواق العالمية بالنفط بأدنى الأسعار ليحطموا اقتصاد العراق، ثم أنزلوا نصف مليون جندي أمريكي وإسرائيلي على أرض النبوة وموّلوا حربين على العراق ليعيدوه إلى العصر الحجري. وراحوا يرقصون على جثث قتلانا رقصة السيوف كما فعل أسلافهم يوم أحد، رقصوا وأكلوا الأكباد. لماذا؟ لأن عقولهم ونفوسهم جاهلية عفنة.
لماذا تظن أنهم يريدون لسوريا غير ما فعلوه بالعراق؟
هؤلاء ليس لديهم لك، أخي السوري،إلا الخراب والدمار.
سوريا رغم وجود الفساد والفاسدين فيها، جميلة، رائعة، عظيمة، متحضرة،شامخة، مستقلة، موحدة، حرة، تتمتع بكبرياء الأسد – ولتعرف كل جمال سوريا عليك بمقالات الأستاذ أسامة فوزي، فهو يحيط بواقع سوريا أكثر من غيره، فترى كم رائعة هي سوريا. الفساد؟ نعم الحق معك ولكن لن يخلصك من الفساد عجوز الحجاز وهو نفسه فاسد حتى نخاع العظام.
هؤلاء ليس لديهم لك لا حرية ولا كرامة ولا أية منفعة، ليس لديهم لك إلا المفخخات والدم والطائفية و الخراب والعوز والفقر والإذلال.
إنهم يظنون أنهم يمكن أن يذلّوا الناس بأموالهم القذرة – وهم قد اشتروا خونة سوريا فعلاً. هؤلاء تجري البداوة وحب القتل وسفك الدماء في عروقهم، هؤلاء حاقدون على سوريا وعلى كل بلد عربي فيه حضارة وثقافة، فيه فن وأدب ورقيّ فكري، ولهذه يبذلون كلما في وسعهم لتدمير سوريا بركوب جحوشها الظلاميين.
أنا أدافع عن سوريا لأني لا أريد أن أرى مقدرات الشعب السوري تخرج من يديه وتصبح في أيدي خليط من العفنين الحاقدين على سوريا وشرذمة من عملاء ساركوزي.
أدافع عن سوريا لأني أحب سوريا وشعب سوريا، ولا أريد أن أرى عراقاً آخر تُقطّع أوصاله ويُقتّل فيه الناس كل يوم بالجملة في الشوارع وفي الجوامع وفي الكنائس.
أدافع عن سوريا لأني لا أريد أن أرى دبابات أمريكية أو فرنسية في شوارع الشام تترجل منها الصحفيات الإسرائيليات ليغطين بكل حرية وتشفي مشاهد سقوط تماثيل الأسد التي يراد أن تحل محلها تماثيل القردة . حصل ذلك في بغداد.
أدافع عن سوريا لأني لا أريد أن أسمع أن متطرفي اليهود جاؤوا يسبحون في نهر بردى ويدّعون أنهم موعودون بذلك كما يفعلون في نهر دجلة.
أدافع عن سوريا لأني أرى أنها غرناطة العصر الحديث، آخر قلاع الوجودالعربي، إن سقطت – لا سامح الله – فعلى العرب السلام.
أخي السوري لا تدع نتنياهو يدخل دمشق متخفياً بغترة وعقال سعوديين وبنعال قطري.
-
د. عمر ظاهر