هينة نيوز- خاص- "كفاح نصر":
تكلمت في الأجزاء الثلاثة الأولى عن أسباب القضاء على عميلة السلام، وما الذي دفع واشنطن لتغيير إستراتيجيتها في المنطقة وصولاً إلى قرار تقسيم الشرق الأوسط، وفشل الحرب على لبنان في العام 2006 مما أدى إلى سقوط مشروع الياسمينة الزرقاء، وكانت واشنطن قد مهّدت للعملية، وحدثت عدّة عمليات أمنية في العاصمة السورية ومحيطها، وظهر ما سُمّي إعلان دمشق بيروت وبدأت جماعات المجتمع المدني تتحرّك على الأرض.
لمحة عن الياسمينة الزرقاء
الياسمينة الزرقاء بدأ التخطيط لها من العام 1999 ولم يكن القرار 1559 إلا تمهيداً لبدء التنفيذ، وبدأ التنفيذ باغتيال رفيق الحريري صاحب العلم الأزرق، عبر عملية لتطويق المنطقة، وكون المنطقة تعيش على حافة بركان احتقان مذهبي في العراق تمّ توسيع الاحتقان إلى لبنان، وبعد تشكيل المحكمة الدولية وخروج الجيش العربي السوري من لبنان، وهذا ما لم تتوقعه واشنطن، كان يفترض سحق حزب الله نهائياً أو على الأقل تهجير الشيعة من الجنوب، ومن ثم يتلوها إشعال احتجاجات في سورية، على وقع حروب طائفية واشتباكات مع النازحين من الجنوب، وتوسيع رقعتها مع صدور قرار ظني يتهم سورية بقتل الحريري، وتفجير ثلاث حروب طائفية في محيط العاصمة، لتنشغل العاصمة السورية بمحيطها، حيث ستتمّ محاصرة العاصمة من كل الممرات، وقبل أن تشعر الحكومة السورية بالخطر ستتمّ مهاجمة مقرات الصواريخ الإستراتيجية، ومع اشتعال الحرب الطائفية على نطاق أوسع بواسطة عدة مجازر كان سينهار الجيش، ويدخل الإسرائيلي من الجنوب وسيقرر طبعاً حماية الدروز، وبينما يقوم الجيش الإسرائيلي بتصفية النخبة المثقفة من الدروز وإكمال تهجير السنة من جنوب العاصمة السورية وجنوب سورية وشمال الأردن، تكون تركيا دخلت إلى سورية بحجة محاربة إسرائيل وحماية السنة، وكون جنوب تركيا سيشتعل طائفياً ستتدخل قوات أطلسية من البحر بحجة حماية العلويين، وبذلك ثلاثة جيوش ترسم الدويلات الكبرى قبل أن تبدأ باقي الأراضي السورية بالتقسيم ليصار لاحقاً إلى تقسيم سورية إلى ثلاث دويلات، إسرائيل تحقّق حلمها التاريخي ببناء غطاء واقٍ لها مع التطرّف الإسلامي سيصبح يقاتل عنها بالوكالة، وأردوغان يصبح بطلاً إسلامياً تُرفع صوره في كل أنحاء العالم لإسلامي، ويأخذ من سورية ما خسره من تركيا لحساب الدولة العلوية والدولة الكردية، ولكن المشروع فشل تماماً وقرّرت واشنطن قلب المعادلة وهي اتهام حزب الله بقتل الحريري وثم حرق سورية وإسقاطها ومهاجمة لبنان من سورية على وقع القرار الظني والفتنة الطائفية في سورية، ولكن الخطّة لم تتغيّر وسنمر على ما حدث في العام 2011 فقط.
ملاحظة هامة: يقول المصدر ربما أحد أسباب فشل الياسمينة الزرقاء هو قيام السلطات السورية بمقارنة من دخل سورية العام 2006 خلال حرب تموز ومن دخلها في شهر آذار العام 2011 وبذلك حدّدت هامشاً ضيقاً جداً استطاعت من خلاله مراقبة أقل عدد من القادمين وكشف المفاتيح الأمنية والقيادات الميدانية التي ستقود المعركة داخل سورية، ولكن الحقيقة أن سقوط المشروع كان له أكثر من سبب، وهذا ما سنشرحه خلال مقارنة المعلومات مع الذي حدث على أرض الواقع، وأسباب الإخفاق الأمريكي لاحقاً.
البداية.. حرب طائفية
الياسمينة الزرقاء قرّر أن يتم تنفيذها بعد قتل الحريري، وفي نهاية العام 2006 ومطلع العام 2007 يبدأ ضرب سورية، وهدف العملية إشعال ثلاث حروب طائفية تبدأ باحتجاجات ومحاصرة دمشق، ووضع اليد على الصواريخ الإستراتيجية، وحين يتفكك الجيش السوري يدخل الجيش الإسرائيلي إلى سورية من لبنان ومن الجنوب الذي يفترض أن يكون تحت الاحتلال بعد القضاء على حزب الله، وبعدها يدخل الجيش التركي من الشمال ويظهر أردوغان كبطل إسلامي يريد إنقاذ سورية، حيث سيتوقّف التركي عند حماة، وكون دخول الجيش التركي والجيش الإسرائيلي ضمن بيئة حرب طائفية سيشارك الجيش التركي بحرب طائفية تؤدي إلى دخول قوات أطلسية من البحر ستفرض دويلة علوية ودويلة إسماعيلية، وقد وافق أردوغان على الخطّة ضمن صفقة مع الأمريكي، ومع فشل العدوان على لبنان سارع القطري والتركي إلى فتح صفحة جديدة مع سورية شهدت تطوراً كبيراً للعلاقات حين تمّ تقرير تأجيل العملية إلى العام 2011.
لنتذكر مع هزيمة إسرائيل عام 1996 في ما سمّته "عناقيد الغضب" كانت الخسارة الكبرى وهنا أصبح ضرب سورية هدفاً إستراتيجياً، وهناك خياران للحرب: الأول أن تهاجمها إسرائيل وهذا كان مستحيلاً من العام 1973 حين كان الجيش العربي السوري ضعيفاً حارب 82 يوماً وحيداً في حرب استنزاف وفرض شروطه في المعركة، فكيف بعد هزيمة إسرائيل أمام المقاومة عام 1996، وبعد أن أصبح الجيش العربي السوري قوة على الأرض تمّ بناؤها للحرب دون حليف، أما الحل الثاني فهو ضربة للناتو وإسرائيل معاً ضد سورية، وهذا سيجعل سورية تتصرف بجنون وتدمّر إسرائيل عن بكرة أبيها، لأنها خُيّرت بين الموت أو الموت، ولن تتردّد باستعمال كل صنوف الأسلحة ضد إسرائيل، وحين يأتي الناتو لمؤازرتها لن تتردّد سورية في تدميرها، فضلاً عن رد فعل حلفاء سورية حول العالم، فبقي خيار إشعالها من الداخل ولكن حتى هذا الخيار كان يقلق إسرائيل.
التمهيد للعملية
وتبقى الحرب عبارة عن مفاوضات سياسيّة تلجأ إليها الأطراف حين يُغلق باب الاتفاق، ولهذا بدأت واشنطن بالتخطيط لعملية الياسمينة الزرقاء على وقع المفاوضات مع دمشق في سياسة العصا والجزرة، فقبل أن تأتي مطالب واشنطن إلى سورية بعد احتلال العراق كانت واشنطن قد بدأت تستعد لما هو أسوأ، وبدأ تجنيد الجواسيس وعلى يد الاستخبارات الأمريكية والفرنسية والبريطانية معاً، لأن الياسمينة الزرقاء التي قرّرها وخطّط لها الأمريكي والإسرائيلي سينفذها الناتو، ولاحقاً الإسرائيلي والتركي والقطري، ولا يجمعهم سوى الغاز والطاقة.
الضغط على سورية ومصر والسعودية
منذ العام 2000 بدأت واشنطن بالضغط على سورية من جهة وعلى حلفاء واشنطن من جهة ثانية، فهي تخطّط لاحتلال أفغانستان ومن ثم العراق وتريد ضرب لبنان، ولهذا كان عليها جر حلفائها إلى المحظور، وشاهد العرب المحظورات التي قام بها السعودي والمصري إبان العدوان على لبنان ولاحقاً على غزة، ومن جهة ثانية الضغط لإرغام سورية على التنازل، وهنا بدأ استعمال قناة الجزيرة ضد السعودية ومصر وبشكل خاص ضد سورية، حيث أصبحت منبراً للمعارضين السوريين، ومنبراً للهجوم على حلفاء حزب البعث في سورية، حيث شنّت هجوماً قوياً على الشيوعي السوري لصالح تقوية حلفاء واشنطن في الشارع، ونالت الجزيرة شهرتها من خلال مهاجمة النظام السوري وحلفائه في فترة تراجع فيها المدّ اليساري، فكانت أول منبر للمعارضين، ومنبراً يهاجم الرؤساء، وهذا كان طفرة في الإعلام العربي الذي يخلو من صورة أي معارض، فحين نشأت الجزيرة كانت مخصّصة لمهاجمة سورية، وهذا ما يتناساه البعض، ويتناسى دورها في إشعال الفتنة في العراق، ولا يتذكر إلا موقفها خلال عدوان تموز، الذي كانت تبنيه أصلاً للهجوم على سورية بعد احتلال جنوب لبنان.
وعلى وقع دعم حركات المعارضة في مصر وسورية، ووقع تفجيرات متنقلة في السعودية (حيث أحد الخطوط الحمراء الأمريكية قيام نظام انتخابي غير تكفيري في السعودية مصنع المرتزقة التكفيريين)، وعلى وقع هجمات الجزيرة كانت واشنطن تفاوض من جهة وتخطّط في الخفاء من جهة ثانية، لأن الحرب خيارها الأخير.
أمر التحرك لسفراء واشنطن
بدأ دعم تيارات معارضة في مصر، إلى أن أصبح أيمن نور زعيماً عربياً غير معلن، مع دعم مطلق من قبل السفارة الأمريكية، وفي دمشق بدأ تأسيس خلايا ما سُمّي المجتمع المدني، وعلى وقع خطابات الرئيس الأمريكي الذي يطالب بالديمقراطية في هذه البلاد، حيث كل يوم قبل النوم وبعد النوم، وقبل دخول الحمام وبعد الخروج من الحمام، الرئيس الأمريكي يريد ديمقراطية في مصر هو وعشرات المسؤولين الأمريكيين، تارة في السعودية وتارة أخرى في سورية، وطبعاً ليس في قطر أو المغرب أو الأردن، وأما في مصر والسعودية فرضخوا للضغوط الأمريكية لتبتزهم لاحقاً أسوأ ابتزاز في العدوان على لبنان وعلى غزة، ولكن السوري حين جاءته مطالب كولن باول وزير الخارجية الأميركي رفض كل الشروط، ليس ذلك فحسب، بل سيرفع سقف التحدي مع واشنطن إلى المحظور، ويبدأ إصلاحاً ولكن ليس كما تشتهي واشنطن بل إصلاح حقيقي، فدمشق تدرك أن العدو يمكن إغضابه ولكن لا يمكن بل مستحيل إرضاؤه كما قال يوماً الراحل خالد بكداش، وهو أول من هاجمته قناة الجزيرة من حلفاء النظام السوري.
بدأ السفير الأمريكي في تلك المرحلة بالتحرك علناً في دمشق، ووجّه دعوات لكل المثقفين السوريين والإعلاميين وقلائل هم الذين قبلوا الدعوة، وبدأت تظهر مجموعات المجتمع المدني، وبدأ نشاط سياسي معارض يتبلور على الأرض، وعلى وقع هجوم قناة الجزيرة على سورية والضغط على الأرض عبر خلق معارضة والتهديد بالحرب بدأ التفاوض مع دمشق، ويذكر أن تحركات السفير الأمريكي لم تُعر انتباهاً من الإعلام وتمّ الصمت عنها، ويمكن القول لم يضايق السفير الأمريكي سوى رد الصحفي والأديب السوري وليد معماري الذي رفض زيارة السفارة وكتب رفضه في الإعلام.
دمشق ترفع سقف المواجهة
في حين بدأت الضغوط تخفّ عن مصر والسعودية بدأت تتصاعد ضد دمشق، وعوضاً عن الرضوخ قام حزب البعث بعقد مؤتمره بعد غياب طويل للمؤتمرات عن حزب البعث، وخرج رجل أمريكا عبد الحليم خدام في سورية من قيادة البعث كصفعة أولى في وجه واشنطن، هنا بعد أن كان تجنيد الجواسيس والعملاء يقتصر على واشنطن التي تختار العشرات للسفر إلى واشنطن لتنتخب منهم عملاء، قرّرت واشنطن إسقاط النظام الذي قرّر تحديها، وتنفيذ مشروع الياسمينة الزرقاء وهو الذي تعتبره واشنطن، أهون المرّين، وآخر الخيارات، وبدأ استقبال العمال السوريين في قطر والإمارات والسعودية، بشكل واسع بعد أن كان جزئياً في العام 2002، حيث المخابرات الأمريكية تراقب كل شي وتبحث عن أشخاص تنتخبهم لمشاريعها، بواسطة طرف ثالث وهو الإسلام المتشدّد، ولكن بشكل خاص كان يتمّ استقدام عمالة إلى قطر والسعودية، وفجأة حدث المحظور وخرج عبد الحليم خدام من السلطة وليس فقط من قيادة حزب البعث، وتلاه خروج رفيق الحريري من السلطة في لبنان، وقرّر الأسد التخلّص من الفاسدين الذي يمثلون الإدارة الأمريكية في سورية وإجراء إصلاحات في سورية ولبنان، وفعلاً سورية لم تكتفِ بالتجرؤ على واشنطن بإقالة عبد الحليم خدام، بل سدّدت كل ديونها، في حين كانت واشنطن قد أكملت عدّة الحرب التي لم يعد أمامها مناص منها.
وبدأ عمر كرامي بخطّة تقشف لوقف النزف في المال العام بعد أن وصل حجم الدين اللبناني إلى 40 مليار دولار، ولكن لن يستمر هذا الإصلاح بل سيبدأ تنفيذ مشروع الياسمينة الزرقاء، لتوقف المشروع الإصلاحي في لبنان وتعيد الحريري الابن إلى السلطة، ليرفع الدين إلى 60 مليار دولار.
تجنيد العملاء
منذ مطلع العام 2000 وعلى حساب السوريين بدأ تجنيد العملاء، وواشنطن تبلع ولا تدفع، وإن دفعت فمن حساب دول الخليج، إذ فتحت التأشيرات إلى بلاد العم سام ولتقديم الطلب يجب دفع مبلغ خمسين دولاراً، وعشرات آلاف الطلبات قدّمها السوريون الذين يحلمون بفروق صرف العملة، فمئة دولار أمريكي كانت تعني مرتب شهر في سورية، واختار الأمريكي من يريد ليرسله إلى الغربال في واشنطن، وهناك في واشنطن بعد انتهاء إقامات هؤلاء المغتربين بدأت الاستخبارات تعمل، فمن رضخ قبل ذلك وأصبح معارضاً تمّ الاتصال به، ومن لم يصبح معارضاً جرى ابتزازه في سجون دوائر الهجرة، وخصوصاً من لم يتزوّج ولم يحصل على إقامة، فشلوا مع الكثيرين ونجحوا مع البعض، وفي فصول لاحقة سنتكلم عن تفاصيل تجنيد العملاء وكيفية تحريك الشارع بتفاصيل أكثر.
وكذلك المركز الثقافي الفرنسي والسفارة الفرنسية بدأا العمل، وقامت مجموعة فتيات فرنسيات بتجنيد الكثيرين، بل تصنيع مثقفين لاستخدامهم لاحقاً وكذلك السفارة البريطانية، حيث إن مطلع العام 2000 شهد تطوراً كبيراً في العلاقات مع فرنسا.
بعد خروج عبد الحليم خدام كذلك، بدأ الفرز للمغتربين السوريين الذين تمّ استقدامهم إلى قطر والسعودية والإمارات، وفي الخليج تنتخب الأدوات الصغيرة من خلال البحث عن متطرفين ومن يتأثر بالفتنة وما شابه لاستعمالهم كمرتزقة ومجموعات مسلحة، وساهم الكثير من شيوخ الخليج (الشيخ فرد من الأسرة الحاكمة) في هذه العمليات، أما في واشنطن وأوروبا فتنتخب القيادات والمفاتيح الأمنية.
وطبعاً في لبنان كان الثقل الأكبر، وما إعلان دمشق بيروت- بيروت دمشق، إلا نتيجة عمل السفير الأمريكي على الأرض ولقاءاته، ويذكر أن مخطط الياسمينة الزرقاء الذي فشل نهاية العام 2006 وتمّ تأجيله إلى العام 2011 هو نفس المخطط من دون تغيير، وضع على يد كبار الإستراتيجيين في إسرائيل وواشنطن، وهذا ما سنبحثه في الجزء القادم.
ملاحظة: هنا نذكر بروز وسيلتين إعلاميتين في حرب تموز من خلال التغطية للحرب وهما قناة الجزيرة وتلفزيون الجديد بشكل غير متوقع، حيث كانوا سيستثمرون هذه التغطية بعد القضاء على حزب الله في الهجوم على سورية، ولكن فشلت المؤامرة، وحدث كلام عن دور جريدة الأخبار اللبنانية التي توقع البعض أنه بعد وفاة جوزيف سماحة وخروج زياد الرحباني استطاعت باريس خرق هذه المؤسّسة، ولكن يبقى الكلام تنبؤاً من دون مصادر، حيث مصدري لا يملك أي معلومات عن الذي حدث في جريدة الأخبار وخلافها مع الشيوعي مؤجر الجريدة، علماً أن جريدة الأخبار شاركت في الحملة ضد سورية خلال فترة تنفيذ الياسمينة الزرقاء عام 2011.
ملاحظة: رفضت رئيسة التحرير في تلفزيون الجديد استمرار الحملة على سورية بعد تدهور نسبة مشاهديها بشكل كبير، وبدء ترنح المشروع، واقترحت مريم البسام الفضل الله على القطريين أن يكون هجوم تلفزيون الجديد غير مباشر من خلال نشر أخبار صحيحة عن سورية تُرضي المشاهد، وتطعيمها بحملة على الإعلام السوري ولقاءات مع قوى معادية لسورية تحت اسم الرأي والرأي الآخر، ومحاولة تبييض وجه قناة الجزيرة، وفعلاً سُمح لها بتغيير نهجها بعد تأكد الأمريكي بأن الياسمينة الزرقاء تترنح.
في الجزء الخامس: لماذا تم اختيار دوما وحرستا والتل والحجر الأسود والقدم وجديدة عرطوز؟...
تكلمت في الأجزاء الثلاثة الأولى عن أسباب القضاء على عميلة السلام، وما الذي دفع واشنطن لتغيير إستراتيجيتها في المنطقة وصولاً إلى قرار تقسيم الشرق الأوسط، وفشل الحرب على لبنان في العام 2006 مما أدى إلى سقوط مشروع الياسمينة الزرقاء، وكانت واشنطن قد مهّدت للعملية، وحدثت عدّة عمليات أمنية في العاصمة السورية ومحيطها، وظهر ما سُمّي إعلان دمشق بيروت وبدأت جماعات المجتمع المدني تتحرّك على الأرض.
لمحة عن الياسمينة الزرقاء
الياسمينة الزرقاء بدأ التخطيط لها من العام 1999 ولم يكن القرار 1559 إلا تمهيداً لبدء التنفيذ، وبدأ التنفيذ باغتيال رفيق الحريري صاحب العلم الأزرق، عبر عملية لتطويق المنطقة، وكون المنطقة تعيش على حافة بركان احتقان مذهبي في العراق تمّ توسيع الاحتقان إلى لبنان، وبعد تشكيل المحكمة الدولية وخروج الجيش العربي السوري من لبنان، وهذا ما لم تتوقعه واشنطن، كان يفترض سحق حزب الله نهائياً أو على الأقل تهجير الشيعة من الجنوب، ومن ثم يتلوها إشعال احتجاجات في سورية، على وقع حروب طائفية واشتباكات مع النازحين من الجنوب، وتوسيع رقعتها مع صدور قرار ظني يتهم سورية بقتل الحريري، وتفجير ثلاث حروب طائفية في محيط العاصمة، لتنشغل العاصمة السورية بمحيطها، حيث ستتمّ محاصرة العاصمة من كل الممرات، وقبل أن تشعر الحكومة السورية بالخطر ستتمّ مهاجمة مقرات الصواريخ الإستراتيجية، ومع اشتعال الحرب الطائفية على نطاق أوسع بواسطة عدة مجازر كان سينهار الجيش، ويدخل الإسرائيلي من الجنوب وسيقرر طبعاً حماية الدروز، وبينما يقوم الجيش الإسرائيلي بتصفية النخبة المثقفة من الدروز وإكمال تهجير السنة من جنوب العاصمة السورية وجنوب سورية وشمال الأردن، تكون تركيا دخلت إلى سورية بحجة محاربة إسرائيل وحماية السنة، وكون جنوب تركيا سيشتعل طائفياً ستتدخل قوات أطلسية من البحر بحجة حماية العلويين، وبذلك ثلاثة جيوش ترسم الدويلات الكبرى قبل أن تبدأ باقي الأراضي السورية بالتقسيم ليصار لاحقاً إلى تقسيم سورية إلى ثلاث دويلات، إسرائيل تحقّق حلمها التاريخي ببناء غطاء واقٍ لها مع التطرّف الإسلامي سيصبح يقاتل عنها بالوكالة، وأردوغان يصبح بطلاً إسلامياً تُرفع صوره في كل أنحاء العالم لإسلامي، ويأخذ من سورية ما خسره من تركيا لحساب الدولة العلوية والدولة الكردية، ولكن المشروع فشل تماماً وقرّرت واشنطن قلب المعادلة وهي اتهام حزب الله بقتل الحريري وثم حرق سورية وإسقاطها ومهاجمة لبنان من سورية على وقع القرار الظني والفتنة الطائفية في سورية، ولكن الخطّة لم تتغيّر وسنمر على ما حدث في العام 2011 فقط.
ملاحظة هامة: يقول المصدر ربما أحد أسباب فشل الياسمينة الزرقاء هو قيام السلطات السورية بمقارنة من دخل سورية العام 2006 خلال حرب تموز ومن دخلها في شهر آذار العام 2011 وبذلك حدّدت هامشاً ضيقاً جداً استطاعت من خلاله مراقبة أقل عدد من القادمين وكشف المفاتيح الأمنية والقيادات الميدانية التي ستقود المعركة داخل سورية، ولكن الحقيقة أن سقوط المشروع كان له أكثر من سبب، وهذا ما سنشرحه خلال مقارنة المعلومات مع الذي حدث على أرض الواقع، وأسباب الإخفاق الأمريكي لاحقاً.
البداية.. حرب طائفية
الياسمينة الزرقاء قرّر أن يتم تنفيذها بعد قتل الحريري، وفي نهاية العام 2006 ومطلع العام 2007 يبدأ ضرب سورية، وهدف العملية إشعال ثلاث حروب طائفية تبدأ باحتجاجات ومحاصرة دمشق، ووضع اليد على الصواريخ الإستراتيجية، وحين يتفكك الجيش السوري يدخل الجيش الإسرائيلي إلى سورية من لبنان ومن الجنوب الذي يفترض أن يكون تحت الاحتلال بعد القضاء على حزب الله، وبعدها يدخل الجيش التركي من الشمال ويظهر أردوغان كبطل إسلامي يريد إنقاذ سورية، حيث سيتوقّف التركي عند حماة، وكون دخول الجيش التركي والجيش الإسرائيلي ضمن بيئة حرب طائفية سيشارك الجيش التركي بحرب طائفية تؤدي إلى دخول قوات أطلسية من البحر ستفرض دويلة علوية ودويلة إسماعيلية، وقد وافق أردوغان على الخطّة ضمن صفقة مع الأمريكي، ومع فشل العدوان على لبنان سارع القطري والتركي إلى فتح صفحة جديدة مع سورية شهدت تطوراً كبيراً للعلاقات حين تمّ تقرير تأجيل العملية إلى العام 2011.
لنتذكر مع هزيمة إسرائيل عام 1996 في ما سمّته "عناقيد الغضب" كانت الخسارة الكبرى وهنا أصبح ضرب سورية هدفاً إستراتيجياً، وهناك خياران للحرب: الأول أن تهاجمها إسرائيل وهذا كان مستحيلاً من العام 1973 حين كان الجيش العربي السوري ضعيفاً حارب 82 يوماً وحيداً في حرب استنزاف وفرض شروطه في المعركة، فكيف بعد هزيمة إسرائيل أمام المقاومة عام 1996، وبعد أن أصبح الجيش العربي السوري قوة على الأرض تمّ بناؤها للحرب دون حليف، أما الحل الثاني فهو ضربة للناتو وإسرائيل معاً ضد سورية، وهذا سيجعل سورية تتصرف بجنون وتدمّر إسرائيل عن بكرة أبيها، لأنها خُيّرت بين الموت أو الموت، ولن تتردّد باستعمال كل صنوف الأسلحة ضد إسرائيل، وحين يأتي الناتو لمؤازرتها لن تتردّد سورية في تدميرها، فضلاً عن رد فعل حلفاء سورية حول العالم، فبقي خيار إشعالها من الداخل ولكن حتى هذا الخيار كان يقلق إسرائيل.
التمهيد للعملية
وتبقى الحرب عبارة عن مفاوضات سياسيّة تلجأ إليها الأطراف حين يُغلق باب الاتفاق، ولهذا بدأت واشنطن بالتخطيط لعملية الياسمينة الزرقاء على وقع المفاوضات مع دمشق في سياسة العصا والجزرة، فقبل أن تأتي مطالب واشنطن إلى سورية بعد احتلال العراق كانت واشنطن قد بدأت تستعد لما هو أسوأ، وبدأ تجنيد الجواسيس وعلى يد الاستخبارات الأمريكية والفرنسية والبريطانية معاً، لأن الياسمينة الزرقاء التي قرّرها وخطّط لها الأمريكي والإسرائيلي سينفذها الناتو، ولاحقاً الإسرائيلي والتركي والقطري، ولا يجمعهم سوى الغاز والطاقة.
الضغط على سورية ومصر والسعودية
منذ العام 2000 بدأت واشنطن بالضغط على سورية من جهة وعلى حلفاء واشنطن من جهة ثانية، فهي تخطّط لاحتلال أفغانستان ومن ثم العراق وتريد ضرب لبنان، ولهذا كان عليها جر حلفائها إلى المحظور، وشاهد العرب المحظورات التي قام بها السعودي والمصري إبان العدوان على لبنان ولاحقاً على غزة، ومن جهة ثانية الضغط لإرغام سورية على التنازل، وهنا بدأ استعمال قناة الجزيرة ضد السعودية ومصر وبشكل خاص ضد سورية، حيث أصبحت منبراً للمعارضين السوريين، ومنبراً للهجوم على حلفاء حزب البعث في سورية، حيث شنّت هجوماً قوياً على الشيوعي السوري لصالح تقوية حلفاء واشنطن في الشارع، ونالت الجزيرة شهرتها من خلال مهاجمة النظام السوري وحلفائه في فترة تراجع فيها المدّ اليساري، فكانت أول منبر للمعارضين، ومنبراً يهاجم الرؤساء، وهذا كان طفرة في الإعلام العربي الذي يخلو من صورة أي معارض، فحين نشأت الجزيرة كانت مخصّصة لمهاجمة سورية، وهذا ما يتناساه البعض، ويتناسى دورها في إشعال الفتنة في العراق، ولا يتذكر إلا موقفها خلال عدوان تموز، الذي كانت تبنيه أصلاً للهجوم على سورية بعد احتلال جنوب لبنان.
وعلى وقع دعم حركات المعارضة في مصر وسورية، ووقع تفجيرات متنقلة في السعودية (حيث أحد الخطوط الحمراء الأمريكية قيام نظام انتخابي غير تكفيري في السعودية مصنع المرتزقة التكفيريين)، وعلى وقع هجمات الجزيرة كانت واشنطن تفاوض من جهة وتخطّط في الخفاء من جهة ثانية، لأن الحرب خيارها الأخير.
أمر التحرك لسفراء واشنطن
بدأ دعم تيارات معارضة في مصر، إلى أن أصبح أيمن نور زعيماً عربياً غير معلن، مع دعم مطلق من قبل السفارة الأمريكية، وفي دمشق بدأ تأسيس خلايا ما سُمّي المجتمع المدني، وعلى وقع خطابات الرئيس الأمريكي الذي يطالب بالديمقراطية في هذه البلاد، حيث كل يوم قبل النوم وبعد النوم، وقبل دخول الحمام وبعد الخروج من الحمام، الرئيس الأمريكي يريد ديمقراطية في مصر هو وعشرات المسؤولين الأمريكيين، تارة في السعودية وتارة أخرى في سورية، وطبعاً ليس في قطر أو المغرب أو الأردن، وأما في مصر والسعودية فرضخوا للضغوط الأمريكية لتبتزهم لاحقاً أسوأ ابتزاز في العدوان على لبنان وعلى غزة، ولكن السوري حين جاءته مطالب كولن باول وزير الخارجية الأميركي رفض كل الشروط، ليس ذلك فحسب، بل سيرفع سقف التحدي مع واشنطن إلى المحظور، ويبدأ إصلاحاً ولكن ليس كما تشتهي واشنطن بل إصلاح حقيقي، فدمشق تدرك أن العدو يمكن إغضابه ولكن لا يمكن بل مستحيل إرضاؤه كما قال يوماً الراحل خالد بكداش، وهو أول من هاجمته قناة الجزيرة من حلفاء النظام السوري.
بدأ السفير الأمريكي في تلك المرحلة بالتحرك علناً في دمشق، ووجّه دعوات لكل المثقفين السوريين والإعلاميين وقلائل هم الذين قبلوا الدعوة، وبدأت تظهر مجموعات المجتمع المدني، وبدأ نشاط سياسي معارض يتبلور على الأرض، وعلى وقع هجوم قناة الجزيرة على سورية والضغط على الأرض عبر خلق معارضة والتهديد بالحرب بدأ التفاوض مع دمشق، ويذكر أن تحركات السفير الأمريكي لم تُعر انتباهاً من الإعلام وتمّ الصمت عنها، ويمكن القول لم يضايق السفير الأمريكي سوى رد الصحفي والأديب السوري وليد معماري الذي رفض زيارة السفارة وكتب رفضه في الإعلام.
دمشق ترفع سقف المواجهة
في حين بدأت الضغوط تخفّ عن مصر والسعودية بدأت تتصاعد ضد دمشق، وعوضاً عن الرضوخ قام حزب البعث بعقد مؤتمره بعد غياب طويل للمؤتمرات عن حزب البعث، وخرج رجل أمريكا عبد الحليم خدام في سورية من قيادة البعث كصفعة أولى في وجه واشنطن، هنا بعد أن كان تجنيد الجواسيس والعملاء يقتصر على واشنطن التي تختار العشرات للسفر إلى واشنطن لتنتخب منهم عملاء، قرّرت واشنطن إسقاط النظام الذي قرّر تحديها، وتنفيذ مشروع الياسمينة الزرقاء وهو الذي تعتبره واشنطن، أهون المرّين، وآخر الخيارات، وبدأ استقبال العمال السوريين في قطر والإمارات والسعودية، بشكل واسع بعد أن كان جزئياً في العام 2002، حيث المخابرات الأمريكية تراقب كل شي وتبحث عن أشخاص تنتخبهم لمشاريعها، بواسطة طرف ثالث وهو الإسلام المتشدّد، ولكن بشكل خاص كان يتمّ استقدام عمالة إلى قطر والسعودية، وفجأة حدث المحظور وخرج عبد الحليم خدام من السلطة وليس فقط من قيادة حزب البعث، وتلاه خروج رفيق الحريري من السلطة في لبنان، وقرّر الأسد التخلّص من الفاسدين الذي يمثلون الإدارة الأمريكية في سورية وإجراء إصلاحات في سورية ولبنان، وفعلاً سورية لم تكتفِ بالتجرؤ على واشنطن بإقالة عبد الحليم خدام، بل سدّدت كل ديونها، في حين كانت واشنطن قد أكملت عدّة الحرب التي لم يعد أمامها مناص منها.
وبدأ عمر كرامي بخطّة تقشف لوقف النزف في المال العام بعد أن وصل حجم الدين اللبناني إلى 40 مليار دولار، ولكن لن يستمر هذا الإصلاح بل سيبدأ تنفيذ مشروع الياسمينة الزرقاء، لتوقف المشروع الإصلاحي في لبنان وتعيد الحريري الابن إلى السلطة، ليرفع الدين إلى 60 مليار دولار.
تجنيد العملاء
منذ مطلع العام 2000 وعلى حساب السوريين بدأ تجنيد العملاء، وواشنطن تبلع ولا تدفع، وإن دفعت فمن حساب دول الخليج، إذ فتحت التأشيرات إلى بلاد العم سام ولتقديم الطلب يجب دفع مبلغ خمسين دولاراً، وعشرات آلاف الطلبات قدّمها السوريون الذين يحلمون بفروق صرف العملة، فمئة دولار أمريكي كانت تعني مرتب شهر في سورية، واختار الأمريكي من يريد ليرسله إلى الغربال في واشنطن، وهناك في واشنطن بعد انتهاء إقامات هؤلاء المغتربين بدأت الاستخبارات تعمل، فمن رضخ قبل ذلك وأصبح معارضاً تمّ الاتصال به، ومن لم يصبح معارضاً جرى ابتزازه في سجون دوائر الهجرة، وخصوصاً من لم يتزوّج ولم يحصل على إقامة، فشلوا مع الكثيرين ونجحوا مع البعض، وفي فصول لاحقة سنتكلم عن تفاصيل تجنيد العملاء وكيفية تحريك الشارع بتفاصيل أكثر.
وكذلك المركز الثقافي الفرنسي والسفارة الفرنسية بدأا العمل، وقامت مجموعة فتيات فرنسيات بتجنيد الكثيرين، بل تصنيع مثقفين لاستخدامهم لاحقاً وكذلك السفارة البريطانية، حيث إن مطلع العام 2000 شهد تطوراً كبيراً في العلاقات مع فرنسا.
بعد خروج عبد الحليم خدام كذلك، بدأ الفرز للمغتربين السوريين الذين تمّ استقدامهم إلى قطر والسعودية والإمارات، وفي الخليج تنتخب الأدوات الصغيرة من خلال البحث عن متطرفين ومن يتأثر بالفتنة وما شابه لاستعمالهم كمرتزقة ومجموعات مسلحة، وساهم الكثير من شيوخ الخليج (الشيخ فرد من الأسرة الحاكمة) في هذه العمليات، أما في واشنطن وأوروبا فتنتخب القيادات والمفاتيح الأمنية.
وطبعاً في لبنان كان الثقل الأكبر، وما إعلان دمشق بيروت- بيروت دمشق، إلا نتيجة عمل السفير الأمريكي على الأرض ولقاءاته، ويذكر أن مخطط الياسمينة الزرقاء الذي فشل نهاية العام 2006 وتمّ تأجيله إلى العام 2011 هو نفس المخطط من دون تغيير، وضع على يد كبار الإستراتيجيين في إسرائيل وواشنطن، وهذا ما سنبحثه في الجزء القادم.
ملاحظة: هنا نذكر بروز وسيلتين إعلاميتين في حرب تموز من خلال التغطية للحرب وهما قناة الجزيرة وتلفزيون الجديد بشكل غير متوقع، حيث كانوا سيستثمرون هذه التغطية بعد القضاء على حزب الله في الهجوم على سورية، ولكن فشلت المؤامرة، وحدث كلام عن دور جريدة الأخبار اللبنانية التي توقع البعض أنه بعد وفاة جوزيف سماحة وخروج زياد الرحباني استطاعت باريس خرق هذه المؤسّسة، ولكن يبقى الكلام تنبؤاً من دون مصادر، حيث مصدري لا يملك أي معلومات عن الذي حدث في جريدة الأخبار وخلافها مع الشيوعي مؤجر الجريدة، علماً أن جريدة الأخبار شاركت في الحملة ضد سورية خلال فترة تنفيذ الياسمينة الزرقاء عام 2011.
ملاحظة: رفضت رئيسة التحرير في تلفزيون الجديد استمرار الحملة على سورية بعد تدهور نسبة مشاهديها بشكل كبير، وبدء ترنح المشروع، واقترحت مريم البسام الفضل الله على القطريين أن يكون هجوم تلفزيون الجديد غير مباشر من خلال نشر أخبار صحيحة عن سورية تُرضي المشاهد، وتطعيمها بحملة على الإعلام السوري ولقاءات مع قوى معادية لسورية تحت اسم الرأي والرأي الآخر، ومحاولة تبييض وجه قناة الجزيرة، وفعلاً سُمح لها بتغيير نهجها بعد تأكد الأمريكي بأن الياسمينة الزرقاء تترنح.
في الجزء الخامس: لماذا تم اختيار دوما وحرستا والتل والحجر الأسود والقدم وجديدة عرطوز؟...