المشهد يبدو عاديا من داخل أحد فروع البنك الإسلامي البريطاني الذي أسس قبل سنوات قليلة في بريطانيا.
وهو في رأي عملائه "تمويل "حلال" تماما كاللحم الحلال الذي يباع عادة في متاجر المسلمين في بريطانيا. ويقدم البنك نفسه على أنه البديل الإسلامي للنظام المالي المعمول به في الاقتصاد العالمي والقائم على الفوائد. فهل هناك فارق كبير بين ما تقدمه ما تسمى بالبنوك الإسلامية والبنوك الأخرى التي يطلق عليها "الربوية".
ويرى الدكتور جودة عبد الخالق، مفكر يساري واقتصادي بارز في مصر، أن البديل الإسلامي "موجود من حيث النظرية" بل يذهب للقول إن النظرية المصرفية الإسلامية "أرقى من مثيلتها الوضعية لأن المصرف في الإسلام هدفه تنمية المجتمع وإقالة المعسر وليس فقط تحقيق الربح بأي ثمن".
لكن هل يوجد بديل إسلامي للنظام المصرفي العالم الآن؟ الدكتور عبد الخالق يجيب بالنفي ويتساءل لو كان هذا البديل موجودا فأين هو؟
وجهة النظر هذه يختلف معها الدكتور عبد الحميد الغزالي أحد ابرز المتخصصين في الاقتصاد والتمويل الإسلامي. وهو كالدكتور جودة عبد الخالق يرى أن البديل الإسلامي موجود منذ أربعة عشر قرنا، أي منذ اكتمال التشريع الإسلامي بتمام عصر النبوة.
"تحريم الفائدة"
ويشرح الدكتور الغزالي أهم خصائص النظام المصرفي الإسلامي هي أن النقود "لا تلد نقودا والفائدة محرمة لأنها من الربا والربا محرم في الإسلام. وعوضا عن الفائدة تقدم البنوك ما يسمى بمعدل الربح.
ذلك أن البنوك الإسلامية في رأي الدكتور الغزالي "لا تقدم قروضا بالمعنى المفهوم وإنما تمول مشروعات وتكون بالتالي شريكة في الربح والخسارة في المغرم والمغنم فيما يسمى بعقد المشاركة".
لكن نظرة على الأرقام الموجودة على موقع البنك الإسلامي البريطاني تظهر ارتباطا واضحا بين معدل الربح أو الإيجار في حالة القروض العقارية وبين سعر الفائدة لبنك انجلترا المركزي. فإذا كان البنك الإسلامي البريطاني إسلاميا، فلم يرتبط ببنك انجلترا المركزي؟ ولم ترتبط الأسعار التي يطرحها للتمويل بأسعار الفائدة هبوطا وصعودا؟
تفسير الدكتور الغزالي لهذا الارتباط "أن البنك الإسلامي والبنك الوضعي يعملان في بيئة اقتصادية واحدة. وبالتالي يرتفع الربح في حالة الرواج الاقتصادي تماما كما يرتفع سعر الفائدة والعكس صحيح".
ما الذي يميز التمويل الإسلامي؟
يرى الدكتور الغزالي ويتفق معه الدكتور محمد المحمدي ماضي أستاذ الإدارة في جامعة القاهرة واحد الوجوه الإسلامية البارزة بأن حرمة الفائدة ليست المميز الوحيد النظام المالي الإسلامي.
الميزة الأهم في رأيهما هو ارتباط التمويل بما سمياه بالاقتصاد العيني. وهذا في رأيهما في حساب أدق لمخاطر الائتمان التي كان إغفالها أحد أهم أسباب الأزمة المالية الحالية. فالبنوك الغربية أعطت قروضا لمن لا يستطيعون السداد فيما عرف بأزمة الرهون العقارية. وراهنت على أن أسعار العقارات ستواصل صعوده، أي أنها لم تلزم جانب الحذر. لكن البنوك الإسلامية لم تواجه هذه المشكلة". هل ذلك لكونها إسلامية أم لأنها حذرة؟
في رأي الدكتور الغزالي فإن حساب مخاطر الائتمان مبدأ اقتصادي إسلامي. ويقول الغزالي: "القرآن يحض على كتابة الديون والبيوع..وقبض الرهان (فرهان مقبوضة) ..والإمام مالك يقول (وارتهن إذا أقرض) والرسول رهن درعه مقابل المال."
ولأن البنوك الإسلامية تحتاط كثيرا في حساب مخاطر الإئتمان فإن ذلك يمثل مشكلة للعملاء. وبحسب الدكتور جودة عبد الخالق فإن المنتج النهائي للبنوك الإسلامية أكثر تكلفة للعملاء مما تعرضه البنوك الأخرى.
وهناك مشكلة أخرى يوضحها أندي كريتشلو مدير وكالة داوجونزالمالية تتمثل في غياب المعايير.
يقول كريتشلو: " لا يوجد معيار واحد لمعنى الالتزام بالشريعة. فالشركات تعين مجالس الرقابة الشرعية الخاصة بها وتدفع لهم رواتبهم. ولكي يصمموا لهم منتجا يتفق مع الشريعة. قد يختلف معهم مجلس رقابة شرعية في مصرف آخر أو دولة أخرى. فالبنوك الإسلامية من نواح كثيرة تشبه بيتا بلا أساس. إذ لا معيار محدد يحتكم إليه. المعيار هو الإسلام".
الحل للتفسيرات المتعددة في الإسلام يكمن حسب رأي الدكتور الغزالي في "وجود ثلاثة مجامع فقهية شهيرة في العالم يستنار برأيها هي مجمع البحوث في الأزهر والمجمع الفهي لمنظمة المؤتمر الإسلامي والمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي بخلاف اتحاد المصارف الإسلامية. لكن هذا في رايه لا يمنع من وقوع خلافات بل وأخطاء".
وكي يكون هناك بديل إسلامي كامل لا بد أن يكون النظام العالمي كله "يأخذ بالمبادئ الإسلامية في الاقتصاد"، كما يقول الدكتور جودة عبد الخالق.
فهل في ظل الوضع الاقتصادي العالمي الحالي يمكن فعلا القول إن هناك بديلا إسلاميا، والنظام الغربي في رأي الدكتور الغزالي وغيره من منظري الاقتصاد الإسلامي ليس مخالفا تماما لتعاليم الإسلام فـ "تدخل الدولة كما حدث في هذه الأزمة واجب إسلامي. وسيطرة البنوك على المنازل لغير القادرين على سداد القروض مبدأ إسلامي يرجع لمبدأ: فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولاتظلمون. ومن يربح في السنين السمان يتوقع الخسارة حينما تأتي السنون العجاف" كما يرى هؤلاء المنظرون.
بي بي سي
|
ويرى الدكتور جودة عبد الخالق، مفكر يساري واقتصادي بارز في مصر، أن البديل الإسلامي "موجود من حيث النظرية" بل يذهب للقول إن النظرية المصرفية الإسلامية "أرقى من مثيلتها الوضعية لأن المصرف في الإسلام هدفه تنمية المجتمع وإقالة المعسر وليس فقط تحقيق الربح بأي ثمن".
لكن هل يوجد بديل إسلامي للنظام المصرفي العالم الآن؟ الدكتور عبد الخالق يجيب بالنفي ويتساءل لو كان هذا البديل موجودا فأين هو؟
وجهة النظر هذه يختلف معها الدكتور عبد الحميد الغزالي أحد ابرز المتخصصين في الاقتصاد والتمويل الإسلامي. وهو كالدكتور جودة عبد الخالق يرى أن البديل الإسلامي موجود منذ أربعة عشر قرنا، أي منذ اكتمال التشريع الإسلامي بتمام عصر النبوة.
"تحريم الفائدة"
|
ويشرح الدكتور الغزالي أهم خصائص النظام المصرفي الإسلامي هي أن النقود "لا تلد نقودا والفائدة محرمة لأنها من الربا والربا محرم في الإسلام. وعوضا عن الفائدة تقدم البنوك ما يسمى بمعدل الربح.
ذلك أن البنوك الإسلامية في رأي الدكتور الغزالي "لا تقدم قروضا بالمعنى المفهوم وإنما تمول مشروعات وتكون بالتالي شريكة في الربح والخسارة في المغرم والمغنم فيما يسمى بعقد المشاركة".
لكن نظرة على الأرقام الموجودة على موقع البنك الإسلامي البريطاني تظهر ارتباطا واضحا بين معدل الربح أو الإيجار في حالة القروض العقارية وبين سعر الفائدة لبنك انجلترا المركزي. فإذا كان البنك الإسلامي البريطاني إسلاميا، فلم يرتبط ببنك انجلترا المركزي؟ ولم ترتبط الأسعار التي يطرحها للتمويل بأسعار الفائدة هبوطا وصعودا؟
تفسير الدكتور الغزالي لهذا الارتباط "أن البنك الإسلامي والبنك الوضعي يعملان في بيئة اقتصادية واحدة. وبالتالي يرتفع الربح في حالة الرواج الاقتصادي تماما كما يرتفع سعر الفائدة والعكس صحيح".
ما الذي يميز التمويل الإسلامي؟
يرى الدكتور الغزالي ويتفق معه الدكتور محمد المحمدي ماضي أستاذ الإدارة في جامعة القاهرة واحد الوجوه الإسلامية البارزة بأن حرمة الفائدة ليست المميز الوحيد النظام المالي الإسلامي.
الميزة الأهم في رأيهما هو ارتباط التمويل بما سمياه بالاقتصاد العيني. وهذا في رأيهما في حساب أدق لمخاطر الائتمان التي كان إغفالها أحد أهم أسباب الأزمة المالية الحالية. فالبنوك الغربية أعطت قروضا لمن لا يستطيعون السداد فيما عرف بأزمة الرهون العقارية. وراهنت على أن أسعار العقارات ستواصل صعوده، أي أنها لم تلزم جانب الحذر. لكن البنوك الإسلامية لم تواجه هذه المشكلة". هل ذلك لكونها إسلامية أم لأنها حذرة؟
في رأي الدكتور الغزالي فإن حساب مخاطر الائتمان مبدأ اقتصادي إسلامي. ويقول الغزالي: "القرآن يحض على كتابة الديون والبيوع..وقبض الرهان (فرهان مقبوضة) ..والإمام مالك يقول (وارتهن إذا أقرض) والرسول رهن درعه مقابل المال."
|
وهناك مشكلة أخرى يوضحها أندي كريتشلو مدير وكالة داوجونزالمالية تتمثل في غياب المعايير.
يقول كريتشلو: " لا يوجد معيار واحد لمعنى الالتزام بالشريعة. فالشركات تعين مجالس الرقابة الشرعية الخاصة بها وتدفع لهم رواتبهم. ولكي يصمموا لهم منتجا يتفق مع الشريعة. قد يختلف معهم مجلس رقابة شرعية في مصرف آخر أو دولة أخرى. فالبنوك الإسلامية من نواح كثيرة تشبه بيتا بلا أساس. إذ لا معيار محدد يحتكم إليه. المعيار هو الإسلام".
الحل للتفسيرات المتعددة في الإسلام يكمن حسب رأي الدكتور الغزالي في "وجود ثلاثة مجامع فقهية شهيرة في العالم يستنار برأيها هي مجمع البحوث في الأزهر والمجمع الفهي لمنظمة المؤتمر الإسلامي والمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي بخلاف اتحاد المصارف الإسلامية. لكن هذا في رايه لا يمنع من وقوع خلافات بل وأخطاء".
وكي يكون هناك بديل إسلامي كامل لا بد أن يكون النظام العالمي كله "يأخذ بالمبادئ الإسلامية في الاقتصاد"، كما يقول الدكتور جودة عبد الخالق.
فهل في ظل الوضع الاقتصادي العالمي الحالي يمكن فعلا القول إن هناك بديلا إسلاميا، والنظام الغربي في رأي الدكتور الغزالي وغيره من منظري الاقتصاد الإسلامي ليس مخالفا تماما لتعاليم الإسلام فـ "تدخل الدولة كما حدث في هذه الأزمة واجب إسلامي. وسيطرة البنوك على المنازل لغير القادرين على سداد القروض مبدأ إسلامي يرجع لمبدأ: فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولاتظلمون. ومن يربح في السنين السمان يتوقع الخسارة حينما تأتي السنون العجاف" كما يرى هؤلاء المنظرون.
بي بي سي