جهينة نيوز- خاص- "كفاح نصر":
لا يمكن فهم الفيتو الروسي الصيني، ولا تحرك البحرية الصينية والروسية
كفيتو عسكري، إلا بعد معرفة خطر المشروع الأمريكي على البشرية، في هذا
الملحق ما سأكتبه هو: لو نجح المشروع الأمريكي ماذا سيحدث؟ وما تأثير
الهزيمة الصهيونية في لبنان على الأحداث التي تلت تلك الحرب؟.. وما سيتم
طرحه مجموعة أسئلة أترك للقارئ الإجابة عنها، بعد أن نتطرق للحرب الباردة،
بلمحة بسيطة.
الحرب الباردة
لا يخفى على أحد أن هناك حرباً باردة غير معلنة، وربما السباق مع الزمن
بين صواريخ بولافا الروسية، والدرع الصاروخي الأمريكي هو جزء من هذه الحرب،
فما خفي في هذه الحرب لم يشهده العالم إبان الحرب الباردة بين المعسكر
الاشتراكي والناتو، فمثلاً حرب النجوم كانت لا تتجاوز محاولة الضغط على
الاقتصاد السوفييتي بحرب نجوم وهميّة، بينما حرب النجوم الآن قائمة وهي
حقيقية منذ أطلقت واشنطن طائرة فضائية عسكرية حلّقت في الفضاء عدة أشهر،
قادرة على ضرب أي هدف حول العالم خلال نصف ساعة، مما استدعى أن تقوم الصين
بإسقاط قمر صناعي في رسالة قوية لحرب النجوم التي فتحتها واشنطن. أما روسيا
فلم تكتفِ بتطوير الدفاع الفضائي وصولاً لنشر منظومة دفاع فضائي جديدة،
والبدء بتسليح الجيش الروسي بمنظومة إس 500، بل أعلنت عن تطوير طائرات
فضائية لم يسرّب عنها معلومات حتى اليوم، فضلاً عن دخول العديد من الطائرات
الروسية الحديثة إلى الخدمة (4+،4++،5) على حساب طائرات الجيل الرابع،
فنشر واشنطن الدرع الصاروخي هو رسالة، والردّ الروسي ببناء صواريخ عملاقة
عابرة للقارات تطلق من الغواصات كان رسالة مضادة، ولاحقاً نشر واشنطن
مجموعة سفن بالقرب من إسبانيا ضمن منظومة الدرع الصاروخي رسالة، وتجارب
روسيا على صاروخ "تو بول آر إس" رسالة، يمكن اختصار هذه الرسائل بالبوارج
التي زارت البحر المتوسط معلنة فيتو عسكرياً روسياً صينياً لحماية سورية،
فلماذا سورية مهمّة إلى هذه الدرجة التي وصلت إلى تصادم الأساطيل ورفع نبرة
الصين العسكرية مع معلومات عن توسيع قدرات البحرية الصينية في المحيط
الهندي بشكل غير مسبوق، وهي التي سابقاً، حين توترت الأوضاع بين الكوريتين
كشفت عن مدينة نووية أرغمت الأمريكي على الصمت والاكتفاء بالاحتجاج.
سقوط سورية ولبنان
ماذا لو نجحت الياسمينة الزرقاء في العام 2006 وسقط لبنان وتمزقت سورية
إلى دويلات طائفية؟.. عند البحث عن الجواب لهذا السؤال من خلال الأحداث
التي تلت العدوان على لبنان، يمكن فهم أسرار الفيتو الروسي الصيني، الذي لم
يبقَ على شكل فيتو سياسي في مجلس الأمن بل تعداه إلى فيتو عسكري وقعته
البوارج العسكرية الروسية في المتوسط والصينية في المحيط الهندي، ولهذا
سأناقش العام 2006 فقط، لأن ما تلاه من أحداث حتى العام 2011 واضح، وليعرف
القارئ ماذا سيتلو العدوان على سورية، وأترك للقارئ فهم اللعبة الكبرى
بنفسه خلال فترة ما بين عام 2006 وصولاً للعام 2011 ما هي الأحداث التي
أثرت الهزيمة الصهيونية عليها خلال تلك الفترة.
الفرضية: السؤال في ظل الاحتقان الطائفي نتيجة الأعمال
الإرهابية التي قام بها الاحتلال الأمريكي في العراق، وفي ضوء العداء
للإسلام في الغرب في تلك الأيام، ماذا لو نجحت واشنطن في القضاء على
المقاومة وإشعال بيروت طائفياً وتطبيق السيناريو الذي حدث في العام 2011
بسورية بعد انتهاء الحرب، وتقسيم سورية إلى دويلات طائفية متقاتلة ويصبح
الخطاب الطائفي هو الحكم في المنطقة، ولا يستثنى الخليج من الأحداث وخصوصاً
البحرين والقطيف..؟.
هنا نبدأ بالسرد للأحداث التي تلت العدوان على لبنان، تاركين للقارئ
البحث عن تداعيات حرب لبنان عليها، وعند الانتهاء مشاهدة خريطة العالم
وقراءة النتائج فيما لو نجحت كل مشاريع واشنطن، ولأخذ العلم كان يفترض بعد
حرب تموز وتهجير الجنوبيين والقضاء على المقاومة أن يبدأ السيناريو في
سورية وخلال أقل من سنتين تكون سورية أصبحت ست دويلات والعراق ثلاثاً في
أبعد تقدير بالعام 2008 أي بعد إشعال نزاع طائفي في سورية على الأقل لمدة
سنتين وهي الفترة المطلوبة لاستخراج الغاز من المتوسط وإنهاء التغيير
الديموغرافي في سورية.
السودان:
هل انتصار حزب الله دفع بالصين لرفع سقف المواجهة مع واشنطن، ودعم
السودان لاستضافة المتمردين التشاديين ونقل الصراع من إقليم دارفور إلى
داخل تشاد بالقرب من العاصمة، حتى حدثت تسوية في العام 2010 نسي العالم
بموجبها أن الرئيس السوداني مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، وهدأ إقليم
دارفور، علماً بأن إقليم دارفور قد وصل لذروة النار في العام 2008، وهل هدوء إقليم دارفور ومنع نقل نفط الجنوب خارج أراضي الشمال ساهم بحماية السودان، من حرب أهلية جديدة؟.
الغاز إلى أوروبا:
سنة مقتل الحريري في لبنان كانت الثورة البرتقالية في أوكرانيا، وقامت الثورة الملونة وحدثت أزمة الغاز في العام 2008
والعام 2009، مروراً بحرب الغاز حين قطع الغاز الروسي عن أوروبا أسبوعين،
لو كان هناك بديل لهذا الغاز من غاز شرقي المتوسط وشمال العراق، أي بعد
سنتين من حرب لبنان، هل يمكن أن تفقد موسكو نفوذها وسط آسيا ويتراجع
الاقتصاد الروسي الذي يعتمد على تصدير الخامات، بل ويصبح على شفا الانهيار
وتشتعل الشيشان؟ فهل الانتصار في لبنان وعدم قدرة واشنطن على السيطرة على
غاز المتوسط أنقذ روسيا وأسقط الثورة البرتقالية لاحقاً، فخسارة إسرائيل
وفشل مشاريع استخراج الغاز في العامين 2006 و2008 كانت سبباً في سقوط
البرتقاليين، وإذا كانت خسارة حرب لبنان أدت إلى البدء بضخ الغاز في السيل
الشمالي فالخسارة في سورية قد تعني لاحقاً بدء تركيب وضخ الغاز في السيل
الجنوبي وخسارة أوكرانيا لعماد اقتصادها وهو التجارة بالغاز الروسي لتعود
لاحقاً للحظيرة الروسية مرغمة لتحصد ما زرعه البرتقاليون خلال عدة سنوات.
جورجيا ووسط آسيا:
حين لم تستطع واشنطن تأمين غاز لأوروبا عبر نابوكو بعد الهزيمة في
لبنان، وهزيمة الأمريكي هل كانت سبباً لانفصال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية
ودخول الجيش الروسي إلى مقربة من تبليسي إبان حرب البلقان كذلك في العام 2008
وتدمير كل البنية التحتية لخط غاز نابوكو، وهل كانت حرب البلقان سبباً في
توقيع عقود واتفاقيات إستراتيجية بين روسيا وأذربيجان، ومن جهة ثانية إيران
وتركمانستان، وكبح النفوذ الأمريكي في وسط آسيا.
روسيا البيضاء:
هل الفشل الإسرائيلي في لبنان وعدم تأمين بديل للغاز الروسي نحى
بألمانيا لكبح التدخل الأمريكي في روسيا البيضاء للحفاظ على وارداتها من
الغاز الروسي، ومنع الثورات الملونة من الاقتراب من بيلاروسيا، وتوقف
الأمريكيين عن ذكر لوكاشينكو في كل تصريح، واليوم أصبح السيل الشمالي قيد
العمل وروسيا البيضاء خارج المطامع الأمريكية للسيطرة على معابر الطاقة.
الصين:
هل انتصار حزب الله قوّى الموقف الصيني، وبالتالي لم يستطع عملاء واشنطن
إشعال الصين في إقليم تشينغ يانغ عام 2009 حين برز أردوغان مدافعاً عن
المسلمين، وهل انتصار المقاومة جعل موقف الإسلام المقاوم في الصين قوياً في
وجه الإسلام التكفيري المتطرف، ولم يتطور الصراع الإثني في الصين، وماذا
كان من الممكن أن يحدث لو نشبت تلك الاحتجاجات مع قطع للنفط الصيني من
إيران والسودان وعلى وقع النيران الطائفية في الشرق الأوسط؟.
روسيا مرة ثانية:
هل ساهم انتصار لبنان في تقوية الإسلام المقاوم في روسيا، وعزّز مكانة
العلماء المسلمين الروس، مما جعل موسكو تقبض على مئات المرتزقة وخصوصاً
العرب والأفغان العرب الذين كانوا ينتظرون ساعة الصفر، ولازال بعض منهم في
غابات الشيشان وداغستان، وهل توجّه الإسلام الروسي لدعم المقاومة الحقيقية
على أرض فلسطين وليس الإرهاب الأعمى الذي يخدم الأمريكي، كان نتيجة لذلك
الانتصار، نتركها للقارئ ليبحث عنها.
الجزائر:
هل الهزيمة الأمريكية دفعت بموسكو لنقل الصراع من الجزائر إلى تونس
وليبيا ومصر، (يمكن مراجعة المقالات السابقة حول حرب الغاز) ونقل الصراع من
الجزائر إلى تونس وليبيا، ومصر وإيطاليا، وجعل واشنطن عوضاً عن التدخل في
شؤون الجزائر تقاتل لتحافظ على وجودها في بعض الدول مثل تونس وليبيا ومصر؟.
حتى قرغيزيا:
هل احتراق الأمريكي في العراق وأفغانستان وفشله في لبنان انعكس على
حلفائه وكان سبباً في سقوط ثورة السوسن في قرغيزيا التي قامت في العام 2005
وأصبحت واشنطن تدفع ملياري دولار مقابل قاعدتها في قرغيزيا، وتراجع نفوذها
وسط آسيا، ومنه قرغيزيا لصالح النفوذ الروسي؟.. وهل انتصار حزب الله قوّى
الموقف الروسي للإطاحة بحلفاء واشنطن في قرغيزيا، بعد أن زال الخوف من
الغاز البديل للغاز الروسي، ربما نترك للقارئ التكهن؟.
سورية:
لولا انتصار حزب الله هل اضطرت واشنطن لتأجيل مشروع ضرب سورية خمس
سنوات، وتركتها خلال هذه الفترة تحرق الأمريكي في العراق، ومعه فتنته
المذهبية، وتستطيع التصدي بهذه القوة للمشروع الأمريكي في العام 2011،
وتفككه تفكيكاً كاملاً، وبأقل الخسائر، وتتجاوز الاحتقان الطائفي الذي
زرعته واشنطن في العراق والمنطقة، وهنا أجزم بأن سورية تصدّت للعدوان قوية
متحضرة ومتماسكة، ويجب ألا ننكر أن الرئيس بشار الأسد نال شعبيته بعد حملة
الإصلاح ما بين عام 2003 إلى عام 2006 بحيث تمّ خلال هذه الفترة وقف أهم
أسباب الهدر، وسدّدت سورية معظم ديونها. ولكن يبقى انتصار المقاومة السبب
الأهم لتعاظم شعبية الرئيس الأسد ليس فقط في سورية بل وفي العالم العربي.
للأسف لا يمكن الحديث عن المشروع الأمريكي بعدد من الأسطر، ولا يمكن شرح
أبعاد الهزيمة الأمريكية الكبرى ما بين العامين 2006 و2011، وأترك للقارئ
أن يتخيل أبعاد المشروع الأمريكي، ويتخيل الخسائر التي توجب عليه دفعها بعد
الهزيمة في لبنان، أنا لا أبالغ إن قلت إن الهزيمة في لبنان كانت
تداعياتها عالمية ولكن هي الحقيقة إذا دققنا قليلاً، وأترك للقارئ أن يتوقع
ماذا سيحل بالأمريكي بعد أن هزم في سورية، والأمريكي من نهاية شهر أيار قد
هزم في سورية ولازال يكابر لأنه يعرف أن هذه الهزيمة هي الحجر الأول من
أحجار الدومينو للهزائم الأمريكية، فلا أمل له بدويلات شيعية في الجزيرة
وبالتالي ما زرعه سيحصده غيره، وكذلك في اليمن وربما مصر، وحتى تركيا فما
ينتظره بعد الهزيمة في سورية سلسلة هزائم كالتي تبعت هزيمته في لبنان،
ونترك الأيام لتكشف ماذا تخبئ.
ويكفي مراجعة الخريطة مع أسماء الدول السابقة لنعلم أن مخطط واشنطن كان
احتلال العالم، فلا يمكن لواشنطن إخضاع الصين دون السيطرة على إيران
والسودان، ولا يمكن إسقاط روسيا دون ضرب اقتصادها عبر ضرب صادراتها من
الغاز، ولهذا يجب عليها احتلال لبنان وتدمير سورية، ولا يمكن السيطرة على
باقي الممرات الجيوسياسية من دون السيطرة على بيلاروسيا والجزائر وسورية
وأوكرانيا وأفغانستان ليصبح العالم كلّه خاضعاً لسيطرتها، هي قررت احتلال
العالم والعالم تمرد وظهر عالم متعدّد الأقطاب، يبدأ من روسيا والصين
والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا ومحور المقاومة (سورية وإيران) ومنظمة دول
ألبا في أمريكا اللاتينية، ويستمر العالم بالتغير وتستمر الإمبراطورية
الأمريكية بالانهيار وتبقى بعض الدول العربية متمسكة بالغرق مع الأمريكي
تشاهد العالم يتغير ولا تتغير.
الخاتمة: ربما يقول البعض أن هناك مبالغة، والبعض قال
جزء سبقني وقال بعض ما قلت، ولكن يبقى السؤال هل تستطيع الصين استعمال فيتو
لو خسرت واردات نفطها من إيران والسودان، وهل يمكن لروسيا استعمال فيتو لو
خسرت السوق الأوروبية وأصبح بيع غازها يحتاج إلى موافقة أمريكية، وانهار
اقتصادها واشتعلت من الداخل؟.
ربما يقال إن ذلك تضخيم، ولكن لنفرض سقطت سورية وبدأ تصدير الغاز إلى
أوروبا من مصر وشرق المتوسط وشمال العراق، ورفع الخليج وارداته النفطية هل
كان سينهار الاقتصاد الروسي؟ ما هو حجم تصدير الغاز والنفط من الموازنة
الروسية، هل كانت روسيا ستستطيع الدفاع عن الجزائر وبيلاروسيا وغيرها؟ وهل
كانت الصين ستتجرأ على رفع سقف المواجهة مع واشنطن وتدافع عن إيران
والسودان، أترك للقارئ تصور خطورة المشروع الأمريكي الذي سيحول الشعوب إلى
عبيد للأمريكي، بعد أن يصبح قطباً واحداً آمراً ناهياً.
نعم بعد احتلال أفغانستان والعراق انتصر حلفاء واشنطن من جنوب السودان
إلى قرغيزيا وأوكرانيا، وغيرها وصولاً إلى لبنان وما سمّي ثورة الأرز،
وبدأت واشنطن بالزحف لاحتلال العالم، وحين خسرت في لبنان بدأت تتساقط
أوراقها حول العالم وليس فقط من أوكرانيا وقرغيزستان وإقليم دارفور والعراق
وأفغانستان ولبنان، بل بدأت تخسر في تونس ومصر وليبيا، وأجزم أن نتيجة
خسارتها في سورية ستكون كارثة على حلفاء واشنطن، ولهذا واشنطن اليوم تقاتل
حتى آخر رمق لدرجة أن تطلب الخارجية الأمريكية من العصابات المسلحة عدم
تسليم أسلحتهم، وبشكل علني، وتضحي بكبار عملائها وحلفائها.
في الجزء القادم: هل فعلاً كانت المؤامرة تستهدف قتل وترحيل أهل
السنة من الساحل ودرعا وحماة.. ولماذا حصرياً في حمص كان السلاح والعصابات
بهذه الكثافة..؟
لا يمكن فهم الفيتو الروسي الصيني، ولا تحرك البحرية الصينية والروسية
كفيتو عسكري، إلا بعد معرفة خطر المشروع الأمريكي على البشرية، في هذا
الملحق ما سأكتبه هو: لو نجح المشروع الأمريكي ماذا سيحدث؟ وما تأثير
الهزيمة الصهيونية في لبنان على الأحداث التي تلت تلك الحرب؟.. وما سيتم
طرحه مجموعة أسئلة أترك للقارئ الإجابة عنها، بعد أن نتطرق للحرب الباردة،
بلمحة بسيطة.
الحرب الباردة
لا يخفى على أحد أن هناك حرباً باردة غير معلنة، وربما السباق مع الزمن
بين صواريخ بولافا الروسية، والدرع الصاروخي الأمريكي هو جزء من هذه الحرب،
فما خفي في هذه الحرب لم يشهده العالم إبان الحرب الباردة بين المعسكر
الاشتراكي والناتو، فمثلاً حرب النجوم كانت لا تتجاوز محاولة الضغط على
الاقتصاد السوفييتي بحرب نجوم وهميّة، بينما حرب النجوم الآن قائمة وهي
حقيقية منذ أطلقت واشنطن طائرة فضائية عسكرية حلّقت في الفضاء عدة أشهر،
قادرة على ضرب أي هدف حول العالم خلال نصف ساعة، مما استدعى أن تقوم الصين
بإسقاط قمر صناعي في رسالة قوية لحرب النجوم التي فتحتها واشنطن. أما روسيا
فلم تكتفِ بتطوير الدفاع الفضائي وصولاً لنشر منظومة دفاع فضائي جديدة،
والبدء بتسليح الجيش الروسي بمنظومة إس 500، بل أعلنت عن تطوير طائرات
فضائية لم يسرّب عنها معلومات حتى اليوم، فضلاً عن دخول العديد من الطائرات
الروسية الحديثة إلى الخدمة (4+،4++،5) على حساب طائرات الجيل الرابع،
فنشر واشنطن الدرع الصاروخي هو رسالة، والردّ الروسي ببناء صواريخ عملاقة
عابرة للقارات تطلق من الغواصات كان رسالة مضادة، ولاحقاً نشر واشنطن
مجموعة سفن بالقرب من إسبانيا ضمن منظومة الدرع الصاروخي رسالة، وتجارب
روسيا على صاروخ "تو بول آر إس" رسالة، يمكن اختصار هذه الرسائل بالبوارج
التي زارت البحر المتوسط معلنة فيتو عسكرياً روسياً صينياً لحماية سورية،
فلماذا سورية مهمّة إلى هذه الدرجة التي وصلت إلى تصادم الأساطيل ورفع نبرة
الصين العسكرية مع معلومات عن توسيع قدرات البحرية الصينية في المحيط
الهندي بشكل غير مسبوق، وهي التي سابقاً، حين توترت الأوضاع بين الكوريتين
كشفت عن مدينة نووية أرغمت الأمريكي على الصمت والاكتفاء بالاحتجاج.
سقوط سورية ولبنان
ماذا لو نجحت الياسمينة الزرقاء في العام 2006 وسقط لبنان وتمزقت سورية
إلى دويلات طائفية؟.. عند البحث عن الجواب لهذا السؤال من خلال الأحداث
التي تلت العدوان على لبنان، يمكن فهم أسرار الفيتو الروسي الصيني، الذي لم
يبقَ على شكل فيتو سياسي في مجلس الأمن بل تعداه إلى فيتو عسكري وقعته
البوارج العسكرية الروسية في المتوسط والصينية في المحيط الهندي، ولهذا
سأناقش العام 2006 فقط، لأن ما تلاه من أحداث حتى العام 2011 واضح، وليعرف
القارئ ماذا سيتلو العدوان على سورية، وأترك للقارئ فهم اللعبة الكبرى
بنفسه خلال فترة ما بين عام 2006 وصولاً للعام 2011 ما هي الأحداث التي
أثرت الهزيمة الصهيونية عليها خلال تلك الفترة.
الفرضية: السؤال في ظل الاحتقان الطائفي نتيجة الأعمال
الإرهابية التي قام بها الاحتلال الأمريكي في العراق، وفي ضوء العداء
للإسلام في الغرب في تلك الأيام، ماذا لو نجحت واشنطن في القضاء على
المقاومة وإشعال بيروت طائفياً وتطبيق السيناريو الذي حدث في العام 2011
بسورية بعد انتهاء الحرب، وتقسيم سورية إلى دويلات طائفية متقاتلة ويصبح
الخطاب الطائفي هو الحكم في المنطقة، ولا يستثنى الخليج من الأحداث وخصوصاً
البحرين والقطيف..؟.
هنا نبدأ بالسرد للأحداث التي تلت العدوان على لبنان، تاركين للقارئ
البحث عن تداعيات حرب لبنان عليها، وعند الانتهاء مشاهدة خريطة العالم
وقراءة النتائج فيما لو نجحت كل مشاريع واشنطن، ولأخذ العلم كان يفترض بعد
حرب تموز وتهجير الجنوبيين والقضاء على المقاومة أن يبدأ السيناريو في
سورية وخلال أقل من سنتين تكون سورية أصبحت ست دويلات والعراق ثلاثاً في
أبعد تقدير بالعام 2008 أي بعد إشعال نزاع طائفي في سورية على الأقل لمدة
سنتين وهي الفترة المطلوبة لاستخراج الغاز من المتوسط وإنهاء التغيير
الديموغرافي في سورية.
السودان:
هل انتصار حزب الله دفع بالصين لرفع سقف المواجهة مع واشنطن، ودعم
السودان لاستضافة المتمردين التشاديين ونقل الصراع من إقليم دارفور إلى
داخل تشاد بالقرب من العاصمة، حتى حدثت تسوية في العام 2010 نسي العالم
بموجبها أن الرئيس السوداني مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، وهدأ إقليم
دارفور، علماً بأن إقليم دارفور قد وصل لذروة النار في العام 2008، وهل هدوء إقليم دارفور ومنع نقل نفط الجنوب خارج أراضي الشمال ساهم بحماية السودان، من حرب أهلية جديدة؟.
الغاز إلى أوروبا:
سنة مقتل الحريري في لبنان كانت الثورة البرتقالية في أوكرانيا، وقامت الثورة الملونة وحدثت أزمة الغاز في العام 2008
والعام 2009، مروراً بحرب الغاز حين قطع الغاز الروسي عن أوروبا أسبوعين،
لو كان هناك بديل لهذا الغاز من غاز شرقي المتوسط وشمال العراق، أي بعد
سنتين من حرب لبنان، هل يمكن أن تفقد موسكو نفوذها وسط آسيا ويتراجع
الاقتصاد الروسي الذي يعتمد على تصدير الخامات، بل ويصبح على شفا الانهيار
وتشتعل الشيشان؟ فهل الانتصار في لبنان وعدم قدرة واشنطن على السيطرة على
غاز المتوسط أنقذ روسيا وأسقط الثورة البرتقالية لاحقاً، فخسارة إسرائيل
وفشل مشاريع استخراج الغاز في العامين 2006 و2008 كانت سبباً في سقوط
البرتقاليين، وإذا كانت خسارة حرب لبنان أدت إلى البدء بضخ الغاز في السيل
الشمالي فالخسارة في سورية قد تعني لاحقاً بدء تركيب وضخ الغاز في السيل
الجنوبي وخسارة أوكرانيا لعماد اقتصادها وهو التجارة بالغاز الروسي لتعود
لاحقاً للحظيرة الروسية مرغمة لتحصد ما زرعه البرتقاليون خلال عدة سنوات.
جورجيا ووسط آسيا:
حين لم تستطع واشنطن تأمين غاز لأوروبا عبر نابوكو بعد الهزيمة في
لبنان، وهزيمة الأمريكي هل كانت سبباً لانفصال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية
ودخول الجيش الروسي إلى مقربة من تبليسي إبان حرب البلقان كذلك في العام 2008
وتدمير كل البنية التحتية لخط غاز نابوكو، وهل كانت حرب البلقان سبباً في
توقيع عقود واتفاقيات إستراتيجية بين روسيا وأذربيجان، ومن جهة ثانية إيران
وتركمانستان، وكبح النفوذ الأمريكي في وسط آسيا.
روسيا البيضاء:
هل الفشل الإسرائيلي في لبنان وعدم تأمين بديل للغاز الروسي نحى
بألمانيا لكبح التدخل الأمريكي في روسيا البيضاء للحفاظ على وارداتها من
الغاز الروسي، ومنع الثورات الملونة من الاقتراب من بيلاروسيا، وتوقف
الأمريكيين عن ذكر لوكاشينكو في كل تصريح، واليوم أصبح السيل الشمالي قيد
العمل وروسيا البيضاء خارج المطامع الأمريكية للسيطرة على معابر الطاقة.
الصين:
هل انتصار حزب الله قوّى الموقف الصيني، وبالتالي لم يستطع عملاء واشنطن
إشعال الصين في إقليم تشينغ يانغ عام 2009 حين برز أردوغان مدافعاً عن
المسلمين، وهل انتصار المقاومة جعل موقف الإسلام المقاوم في الصين قوياً في
وجه الإسلام التكفيري المتطرف، ولم يتطور الصراع الإثني في الصين، وماذا
كان من الممكن أن يحدث لو نشبت تلك الاحتجاجات مع قطع للنفط الصيني من
إيران والسودان وعلى وقع النيران الطائفية في الشرق الأوسط؟.
روسيا مرة ثانية:
هل ساهم انتصار لبنان في تقوية الإسلام المقاوم في روسيا، وعزّز مكانة
العلماء المسلمين الروس، مما جعل موسكو تقبض على مئات المرتزقة وخصوصاً
العرب والأفغان العرب الذين كانوا ينتظرون ساعة الصفر، ولازال بعض منهم في
غابات الشيشان وداغستان، وهل توجّه الإسلام الروسي لدعم المقاومة الحقيقية
على أرض فلسطين وليس الإرهاب الأعمى الذي يخدم الأمريكي، كان نتيجة لذلك
الانتصار، نتركها للقارئ ليبحث عنها.
الجزائر:
هل الهزيمة الأمريكية دفعت بموسكو لنقل الصراع من الجزائر إلى تونس
وليبيا ومصر، (يمكن مراجعة المقالات السابقة حول حرب الغاز) ونقل الصراع من
الجزائر إلى تونس وليبيا، ومصر وإيطاليا، وجعل واشنطن عوضاً عن التدخل في
شؤون الجزائر تقاتل لتحافظ على وجودها في بعض الدول مثل تونس وليبيا ومصر؟.
حتى قرغيزيا:
هل احتراق الأمريكي في العراق وأفغانستان وفشله في لبنان انعكس على
حلفائه وكان سبباً في سقوط ثورة السوسن في قرغيزيا التي قامت في العام 2005
وأصبحت واشنطن تدفع ملياري دولار مقابل قاعدتها في قرغيزيا، وتراجع نفوذها
وسط آسيا، ومنه قرغيزيا لصالح النفوذ الروسي؟.. وهل انتصار حزب الله قوّى
الموقف الروسي للإطاحة بحلفاء واشنطن في قرغيزيا، بعد أن زال الخوف من
الغاز البديل للغاز الروسي، ربما نترك للقارئ التكهن؟.
سورية:
لولا انتصار حزب الله هل اضطرت واشنطن لتأجيل مشروع ضرب سورية خمس
سنوات، وتركتها خلال هذه الفترة تحرق الأمريكي في العراق، ومعه فتنته
المذهبية، وتستطيع التصدي بهذه القوة للمشروع الأمريكي في العام 2011،
وتفككه تفكيكاً كاملاً، وبأقل الخسائر، وتتجاوز الاحتقان الطائفي الذي
زرعته واشنطن في العراق والمنطقة، وهنا أجزم بأن سورية تصدّت للعدوان قوية
متحضرة ومتماسكة، ويجب ألا ننكر أن الرئيس بشار الأسد نال شعبيته بعد حملة
الإصلاح ما بين عام 2003 إلى عام 2006 بحيث تمّ خلال هذه الفترة وقف أهم
أسباب الهدر، وسدّدت سورية معظم ديونها. ولكن يبقى انتصار المقاومة السبب
الأهم لتعاظم شعبية الرئيس الأسد ليس فقط في سورية بل وفي العالم العربي.
للأسف لا يمكن الحديث عن المشروع الأمريكي بعدد من الأسطر، ولا يمكن شرح
أبعاد الهزيمة الأمريكية الكبرى ما بين العامين 2006 و2011، وأترك للقارئ
أن يتخيل أبعاد المشروع الأمريكي، ويتخيل الخسائر التي توجب عليه دفعها بعد
الهزيمة في لبنان، أنا لا أبالغ إن قلت إن الهزيمة في لبنان كانت
تداعياتها عالمية ولكن هي الحقيقة إذا دققنا قليلاً، وأترك للقارئ أن يتوقع
ماذا سيحل بالأمريكي بعد أن هزم في سورية، والأمريكي من نهاية شهر أيار قد
هزم في سورية ولازال يكابر لأنه يعرف أن هذه الهزيمة هي الحجر الأول من
أحجار الدومينو للهزائم الأمريكية، فلا أمل له بدويلات شيعية في الجزيرة
وبالتالي ما زرعه سيحصده غيره، وكذلك في اليمن وربما مصر، وحتى تركيا فما
ينتظره بعد الهزيمة في سورية سلسلة هزائم كالتي تبعت هزيمته في لبنان،
ونترك الأيام لتكشف ماذا تخبئ.
ويكفي مراجعة الخريطة مع أسماء الدول السابقة لنعلم أن مخطط واشنطن كان
احتلال العالم، فلا يمكن لواشنطن إخضاع الصين دون السيطرة على إيران
والسودان، ولا يمكن إسقاط روسيا دون ضرب اقتصادها عبر ضرب صادراتها من
الغاز، ولهذا يجب عليها احتلال لبنان وتدمير سورية، ولا يمكن السيطرة على
باقي الممرات الجيوسياسية من دون السيطرة على بيلاروسيا والجزائر وسورية
وأوكرانيا وأفغانستان ليصبح العالم كلّه خاضعاً لسيطرتها، هي قررت احتلال
العالم والعالم تمرد وظهر عالم متعدّد الأقطاب، يبدأ من روسيا والصين
والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا ومحور المقاومة (سورية وإيران) ومنظمة دول
ألبا في أمريكا اللاتينية، ويستمر العالم بالتغير وتستمر الإمبراطورية
الأمريكية بالانهيار وتبقى بعض الدول العربية متمسكة بالغرق مع الأمريكي
تشاهد العالم يتغير ولا تتغير.
الخاتمة: ربما يقول البعض أن هناك مبالغة، والبعض قال
جزء سبقني وقال بعض ما قلت، ولكن يبقى السؤال هل تستطيع الصين استعمال فيتو
لو خسرت واردات نفطها من إيران والسودان، وهل يمكن لروسيا استعمال فيتو لو
خسرت السوق الأوروبية وأصبح بيع غازها يحتاج إلى موافقة أمريكية، وانهار
اقتصادها واشتعلت من الداخل؟.
ربما يقال إن ذلك تضخيم، ولكن لنفرض سقطت سورية وبدأ تصدير الغاز إلى
أوروبا من مصر وشرق المتوسط وشمال العراق، ورفع الخليج وارداته النفطية هل
كان سينهار الاقتصاد الروسي؟ ما هو حجم تصدير الغاز والنفط من الموازنة
الروسية، هل كانت روسيا ستستطيع الدفاع عن الجزائر وبيلاروسيا وغيرها؟ وهل
كانت الصين ستتجرأ على رفع سقف المواجهة مع واشنطن وتدافع عن إيران
والسودان، أترك للقارئ تصور خطورة المشروع الأمريكي الذي سيحول الشعوب إلى
عبيد للأمريكي، بعد أن يصبح قطباً واحداً آمراً ناهياً.
نعم بعد احتلال أفغانستان والعراق انتصر حلفاء واشنطن من جنوب السودان
إلى قرغيزيا وأوكرانيا، وغيرها وصولاً إلى لبنان وما سمّي ثورة الأرز،
وبدأت واشنطن بالزحف لاحتلال العالم، وحين خسرت في لبنان بدأت تتساقط
أوراقها حول العالم وليس فقط من أوكرانيا وقرغيزستان وإقليم دارفور والعراق
وأفغانستان ولبنان، بل بدأت تخسر في تونس ومصر وليبيا، وأجزم أن نتيجة
خسارتها في سورية ستكون كارثة على حلفاء واشنطن، ولهذا واشنطن اليوم تقاتل
حتى آخر رمق لدرجة أن تطلب الخارجية الأمريكية من العصابات المسلحة عدم
تسليم أسلحتهم، وبشكل علني، وتضحي بكبار عملائها وحلفائها.
في الجزء القادم: هل فعلاً كانت المؤامرة تستهدف قتل وترحيل أهل
السنة من الساحل ودرعا وحماة.. ولماذا حصرياً في حمص كان السلاح والعصابات
بهذه الكثافة..؟
عدل سابقا من قبل محمد عفارة في الأربعاء ديسمبر 14, 2011 1:36 am عدل 1 مرات