جهينة نيوز:
دشن اليوم خط غاز "السيل الشمالي" بحضور الرئيس الروسي والمستشارة
الألمانية ورئيسي وزراء فرنسا وهولندا وهو خط جديد لتصدير الغاز الروسي الى
اوربا مباشرة دون المرور بأراضي دولة ثالثة وهو الأمر الذي يؤكد ما نشره
موقع جهينة نيوز ضمن سلسلة الياسمينة الزرقاء وأسباب فشل المشروع.
وورد في سلسلة المقالات التي نشرها موقع جهينة نيوز على سبعة أجزاء أن
روسيا قرّرت إنشاء مشروعي السيل الجنوبي والسيل الشمالي، لتغذية أوروبا
بالغاز عبر البحر لترى مدى مصداقية واشنطن بعد أن شعرت بوجود خديعة، كما
طرحت لاحقاً خط غاز السيل الأزرق كجزرة للتركي ولرفع السقف العالي مع
واشنطن..... راجع الجزء الاول و الثاني من سلسلة الياسمينة الزرقاء الاسرار
الكاملة .
ويبدأ خط أنابيب السيل الشمالي"نورد ستريم" ضخ الغاز الطبيعي من روسيا
إلى قلب أوروبا مباشرة دون المرور ببلدان الترانزيت، ولا يقلل حجم الغاز
المتواضع نسبياً الذي ينقله الخط ، مقارنة بحجم صادرات الغاز الروسي وحاجة
أوروبا المتزايدة للوقود الأزرق، من أهميته في تخفيف الاعتماد على بلدان
الترانزيت والحد من المشكلات التي واجهت نقل الغاز إلى أوروبا في السنوات
الأخيرة مع الجارتين أوكرانيا وبيلاروسيا.
ومع بدء موسم البرد في روسيا وأوروبا يبدأ خط "السيل الشمالي" في نقل
الدفء ليتجاوز عقبات جسام في طريق نقل المشروع من مرحلة الأفكار
والمخططات إلى الواقع العملي، ويكمل فكرة رئيس الوزراء الروسي فلاديمير
بوتين بإيصال الغاز الطبيعي الروسي إلى وسط أوروبا قبل أشهر قليلة من عودته
المتوقعة إلى الكرملين كرئيس مرة اخرى لروسيا .
أهمية "نورد ستريم"
ولعل أهمية"نورد ستريم" تكمن في أنه يربط المنتج بالمستهلك مباشرة دون
وسطاء، وهو يفتح على شراكة حقيقة بينهما، تبدأ من الاستثمار في البحث
واستكشاف حقول جديدة، وتمتد إلى إنتاج الغاز وتطوير الحقول، ومد خطوط
الأنابيب، وانتهاء بالتوزيع على المستهلك النهائي من مؤسسات لتوليد
الكهرباء.
ويعد المشروع الجديد باكورة للتعاون والشراكة الروسية الأوروبية ، وربما
يفتح على تنفيذ مشروعات جديدة مثل السيل الجنوبي "ساوث ستريم " لنقل الغاز
إلى جنوب القارة العجوز.
ويربط القسم البحري من شبكة الأنابيب الجديدة "نورد ستريم" مدينتي
"فيبورغ" الروسية، و"غرايسفيلد" الألمانية، وتدشن المرحلة الأولى اليوم
بحضور الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل
ورئيسي وزراء فرنسا وهولندا، ومن المقرر أن تبلغ طاقة المشروع فيها (27,5)
مليار متر مكعب من الغاز سنوياً،على أن تتبع بمرحلة ثانية ترفع طاقته إلى
55 مليار متر مكعب ينتهي العمل فيها صيف العام المقبل.
ومن المقرر أن يزود حقل "يوجني روسكي" شمالي غرب سيبيريا المشروع بجزء
كبير من طاقته اللازمة للتشغيل، وكان الحقل بدأ إنتاج الغاز في نهاية عام
2007 بتعاون ألماني روسي هولندي، وتصل الطاقة الإنتاجية للحقل المذكور نحو
25 مليار متر مكعب سنوياً، وتغطي الحقول القديمة في منطقة "أورينغوي"
السيبيرية النقص في الوقت الحالي، وفي حال الحاجة لا تستبعد روسيا رفع طاقة
المشروع بتزويده بكميات من الغاز المنتج في حقل "شتوكمان" العملاق على بحر
البارينتس الذي من المقرر أن يبدأ الإنتاج في غضون سنوات باستثمارات
فرنسية روسية مشتركة بين "توتال" و"غازبروم".
طريق "نورد ستريم" الطويل من الفكرة إلى الواقع
وبدأ مشروع "نورد ستريم" فكرة أكاديمية ساهمت بإعدادها شركات
هندسيةومالية ومراكز بحوث علمية روسية، وكان الهدف منها البحث عن مسارات
بديلة لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا، عقب المشكلات التي رافقت
صعود رموز "الثورة البرتقالية" إلى الحكم في أوكرانيا، واشتعال "حرب الغاز"
بين موسكو وكييف اثر الخلافات على تسعيرة الغاز المصدر إلى الأخيرة، ورسوم
الترانزيت عبر شبكة الانابيب الأوكرانية إلى أوروبا.
واستمرت البحوث عامين وانتهت في 1999، وفي عام 2000 اعتمد الاتحاد
الأوروبي المشروع البحري ضمن شبكات نقل الطاقة التي تراعي اهتمام جميع
الأطراف. ولكن الدفعة الأولى التي تلقاها"نورد ستريم" كانت في عام 2005،
عندما اتفقت شركة "باسف" الألمانية و"غازبروم" على إنشاء شركة مشتركة لبناء
شبكة الأنابيب وتشغيلها باسم" نورد ستري أ.غ" قامت بأبحاث معمقة لجدوى
المشروع اقتصادياً، ودرست آثاره البيئية المحتملة على بيئة بحر البلطيق،
وتحديد المسار النهائي للخط الذي يتجاوز طوله 1220 كيلومتراً عبر قاع
البحر، واستطاعت الشركة مواجهة تحديات، معظمها سياسي، ترفض بناء أنابيب
الغاز، إلى أن وافقت سلطات السويد والدنمارك، وفنلندا نهائيا على المشروع
مطلع العام 2010، وفي أبريل نيسان من العام الحالي بدأ مد الجزء البحري من
خط "نورد ستريم".
"الثورة البرتقالية" ضيعت اللبن
رغم أن مشروع السيل الشمالي لنقل الغاز يعّد الأكثر طموحاً على مدى
السنوات الأخيرة، فإنه من الممكن ألا يتم التفكير جدياً بإطلاقه لولا
المشاكل التي رافقت نقل الغاز بالترانزيت إلى أوروبا عبر أوكرانيا
وبيلاروسيا، والتي أصبحت تقليداً يتزامن مع الاحتفالات بعيد رأس السنة، كان
آخرها في بداية العام 2009 عندما توقفت الإمدادات إلى أوروبا نحو ثلاثة
أسابيع، إثر مشكلات موسكو مع كييف.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي بداية العقد الأخير من القرن الماضي
تقاسمت البلدان المستقلة شبكة نقل النفط والغاز السوفيتية القديمة التي
ربطت حقول الإنتاج في سيبيريا، ومنطقة بحر قزوين، ووسط روسيا مع مختلف
المدن من جهة، ومع بلدان الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية والغربية، وفق
تخطيط مركزي.
واستأثرت أوكرانيا كونها الممر الإجباري لإمدادات الغاز نحو الغرب بنصيب
الأسد من الشبكة السوفيتية، وغدت تملك شبكة ضخمة لنقل الغاز يتجاوز طولها
37 ألف كيلومتر، وتبلغ طاقة استيعاب الشبكة عند الدخول نحو 290 مليار متر
مكعب وعند خروجها من أوكرانيا تمرر 175مليار متر مكعب سنوياً. إضافة إلى
مخازن ضخمة لتخزين الغاز تحت الأرض، وبات مصير ثمانين في المئة من صادرات
الغاز الروسي إلى أوروبا مرتبطاً بالاتفاق مع أوكرانيا حول أسعار
الترانزيت، وعمد بعض الساسة الأوكرانيين إلى استغلال ذلك بالضغط على
الكرملين لشراء الغاز من روسيا بأسعار تفضيلية نظراً لعدم استطاعة أوكرانيا
تغطية معظم حاجتها من الغاز، والظروف الاقتصادية في البلاد بعد تفكك عقد
الاتحاد السوفيتي.
وفي بداية الألفية الجديدة سعت موسكو إلى ضمانات في نقل كميات الغاز
المطلوبة عبر أوكرانيا بأسعار، وشروط، معقولة، وتحصل الأخيرة على
الاستثمارات الضرورية اللازمة لعمل شبكة النقل وتطويرها، في إطار تحالف
دولي يحمي مصالح المنتج، والمستهلك، وبلدان العبور. كما تحصل أوروبا
وخصوصاً ألمانيا،حسب هذه المعادلة، على كامل كميات الغاز المتعاقد عليها مع
روسيا دون انقطاع في الوقت المحدد.
وتم الاتفاق بين فلاديمير بوتين عندما كان رئيساً لروسيا والرئيس
الأوكراني الأسبق ليونيد كوتشما، بحضور المستشار الألماني أنذاك غيرهارد
شرويدر في عام 2002، على ضرورة تحديث شبكات نقل الغاز في أوكرانيا، وإدارة
مشتركة لها عن طريق "كونسيرتسيوم"، تتقاسم كل من "غازبروم" الروسية
و"نفتاغاز" الاوكرانية مناصفة أسهمه، لكن هذه المخططات تعطلت رغم تأسيس"
كونسيرتسيوم دولي لإدارة خطوط نقل الغاز الأوكرانية" في عام 2003 بسبب
التباين الواضح في تفسير صلاحية ومهام التحالف الجديد. ففي حين أصر الجانب
الأوكراني على ضرورة مد خطين جديدين لنقل الغاز عبر الأراضي الأوكرانية
تكون الإدارة مشتركة عليهما، أصر الجانب الروسي على أن الإدارة يجب أن تكون
مشتركة على الشبكة القائمة وأي مشروعات مستقبلية مشتركة. ومات المشروع
عملياً بعد فوز فريق سياسي في كييف يعتبر شبكة نقل الغاز الأوكرانية ثروة
قومية لا يجوز التفريط فيها.
ولم يثن تعطيل المشروع الكرملين وبرلين عن البحث في أفضل السبل لتزويد
ألمانيا بحاجاتها من الغاز الطبيعي، وفي 2005 بارك بوتين وشرويدر اتفاقاً
مبدئياً وقعته شركة "غازبروم" الروسية ، و"إيون" و"باسف" الألمانيتين لبناء
خط "السيل الشمالي.
معادلات جديدة في علاقة روسيا أوروبا في مجال الغاز
من نافلة القول إنه ومع اطلاق مشروع السيل الشمالي تتراجع أهمية خطوط
نقل الغاز الأوكرانية والبيلاروسية، لكنها لا تفقد أهميتها بشكل كامل، ذلك
أن الخط الجديد لا يستطيع استيعاب أكثر من عشرين في المئة من صادرات الغاز
الروسي إلى أوروبا، لكنه يدفع أوكرانيا إلى التفكير جدياً في تحديث شبكة
نقل الغاز فيها، وتخفيف" ابتزازها" لروسيا وأوروبا بقطع الترانزيت، ولعل
الأهم أن أوروبا باتت تلمس أن روسيا مصرة على ضمان أمن الطاقة في القارة
العجوز وفق معادلات جديدة يشارك فيها المنتج والمستهلك في الدورة الكاملة
من البحث والاستكشاف والإنتاج إلى نقل الغاز وتوزيعه إلى المستهلك النهائي.
وما من شك أن بدء ضخ الغاز عبر السيل الشمالي،بعد سنوات طويلة من الجهد
الدبلوماسي الروسي في مجال الطاقة، يشكل دفعة قوية لمساعي الكرملين لنقل
مشروع آخر وهو السيل الجنوبي "ساوث ستريم" من مرحلة الخرائط والدراسات إلى
واقع ملموس على الأرض، خصوصا أن السيل الجنوبي يضمن إيصال الغاز إلى
ثمانية بلدان في منطقة البلقان وجنوب أوروبا التي تضررت أكثر من غيرها في
حروب الغاز مع أوكرانيا في السنوات الأخيرة.
دشن اليوم خط غاز "السيل الشمالي" بحضور الرئيس الروسي والمستشارة
الألمانية ورئيسي وزراء فرنسا وهولندا وهو خط جديد لتصدير الغاز الروسي الى
اوربا مباشرة دون المرور بأراضي دولة ثالثة وهو الأمر الذي يؤكد ما نشره
موقع جهينة نيوز ضمن سلسلة الياسمينة الزرقاء وأسباب فشل المشروع.
وورد في سلسلة المقالات التي نشرها موقع جهينة نيوز على سبعة أجزاء أن
روسيا قرّرت إنشاء مشروعي السيل الجنوبي والسيل الشمالي، لتغذية أوروبا
بالغاز عبر البحر لترى مدى مصداقية واشنطن بعد أن شعرت بوجود خديعة، كما
طرحت لاحقاً خط غاز السيل الأزرق كجزرة للتركي ولرفع السقف العالي مع
واشنطن..... راجع الجزء الاول و الثاني من سلسلة الياسمينة الزرقاء الاسرار
الكاملة .
ويبدأ خط أنابيب السيل الشمالي"نورد ستريم" ضخ الغاز الطبيعي من روسيا
إلى قلب أوروبا مباشرة دون المرور ببلدان الترانزيت، ولا يقلل حجم الغاز
المتواضع نسبياً الذي ينقله الخط ، مقارنة بحجم صادرات الغاز الروسي وحاجة
أوروبا المتزايدة للوقود الأزرق، من أهميته في تخفيف الاعتماد على بلدان
الترانزيت والحد من المشكلات التي واجهت نقل الغاز إلى أوروبا في السنوات
الأخيرة مع الجارتين أوكرانيا وبيلاروسيا.
ومع بدء موسم البرد في روسيا وأوروبا يبدأ خط "السيل الشمالي" في نقل
الدفء ليتجاوز عقبات جسام في طريق نقل المشروع من مرحلة الأفكار
والمخططات إلى الواقع العملي، ويكمل فكرة رئيس الوزراء الروسي فلاديمير
بوتين بإيصال الغاز الطبيعي الروسي إلى وسط أوروبا قبل أشهر قليلة من عودته
المتوقعة إلى الكرملين كرئيس مرة اخرى لروسيا .
أهمية "نورد ستريم"
ولعل أهمية"نورد ستريم" تكمن في أنه يربط المنتج بالمستهلك مباشرة دون
وسطاء، وهو يفتح على شراكة حقيقة بينهما، تبدأ من الاستثمار في البحث
واستكشاف حقول جديدة، وتمتد إلى إنتاج الغاز وتطوير الحقول، ومد خطوط
الأنابيب، وانتهاء بالتوزيع على المستهلك النهائي من مؤسسات لتوليد
الكهرباء.
ويعد المشروع الجديد باكورة للتعاون والشراكة الروسية الأوروبية ، وربما
يفتح على تنفيذ مشروعات جديدة مثل السيل الجنوبي "ساوث ستريم " لنقل الغاز
إلى جنوب القارة العجوز.
ويربط القسم البحري من شبكة الأنابيب الجديدة "نورد ستريم" مدينتي
"فيبورغ" الروسية، و"غرايسفيلد" الألمانية، وتدشن المرحلة الأولى اليوم
بحضور الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل
ورئيسي وزراء فرنسا وهولندا، ومن المقرر أن تبلغ طاقة المشروع فيها (27,5)
مليار متر مكعب من الغاز سنوياً،على أن تتبع بمرحلة ثانية ترفع طاقته إلى
55 مليار متر مكعب ينتهي العمل فيها صيف العام المقبل.
ومن المقرر أن يزود حقل "يوجني روسكي" شمالي غرب سيبيريا المشروع بجزء
كبير من طاقته اللازمة للتشغيل، وكان الحقل بدأ إنتاج الغاز في نهاية عام
2007 بتعاون ألماني روسي هولندي، وتصل الطاقة الإنتاجية للحقل المذكور نحو
25 مليار متر مكعب سنوياً، وتغطي الحقول القديمة في منطقة "أورينغوي"
السيبيرية النقص في الوقت الحالي، وفي حال الحاجة لا تستبعد روسيا رفع طاقة
المشروع بتزويده بكميات من الغاز المنتج في حقل "شتوكمان" العملاق على بحر
البارينتس الذي من المقرر أن يبدأ الإنتاج في غضون سنوات باستثمارات
فرنسية روسية مشتركة بين "توتال" و"غازبروم".
طريق "نورد ستريم" الطويل من الفكرة إلى الواقع
وبدأ مشروع "نورد ستريم" فكرة أكاديمية ساهمت بإعدادها شركات
هندسيةومالية ومراكز بحوث علمية روسية، وكان الهدف منها البحث عن مسارات
بديلة لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا، عقب المشكلات التي رافقت
صعود رموز "الثورة البرتقالية" إلى الحكم في أوكرانيا، واشتعال "حرب الغاز"
بين موسكو وكييف اثر الخلافات على تسعيرة الغاز المصدر إلى الأخيرة، ورسوم
الترانزيت عبر شبكة الانابيب الأوكرانية إلى أوروبا.
واستمرت البحوث عامين وانتهت في 1999، وفي عام 2000 اعتمد الاتحاد
الأوروبي المشروع البحري ضمن شبكات نقل الطاقة التي تراعي اهتمام جميع
الأطراف. ولكن الدفعة الأولى التي تلقاها"نورد ستريم" كانت في عام 2005،
عندما اتفقت شركة "باسف" الألمانية و"غازبروم" على إنشاء شركة مشتركة لبناء
شبكة الأنابيب وتشغيلها باسم" نورد ستري أ.غ" قامت بأبحاث معمقة لجدوى
المشروع اقتصادياً، ودرست آثاره البيئية المحتملة على بيئة بحر البلطيق،
وتحديد المسار النهائي للخط الذي يتجاوز طوله 1220 كيلومتراً عبر قاع
البحر، واستطاعت الشركة مواجهة تحديات، معظمها سياسي، ترفض بناء أنابيب
الغاز، إلى أن وافقت سلطات السويد والدنمارك، وفنلندا نهائيا على المشروع
مطلع العام 2010، وفي أبريل نيسان من العام الحالي بدأ مد الجزء البحري من
خط "نورد ستريم".
"الثورة البرتقالية" ضيعت اللبن
رغم أن مشروع السيل الشمالي لنقل الغاز يعّد الأكثر طموحاً على مدى
السنوات الأخيرة، فإنه من الممكن ألا يتم التفكير جدياً بإطلاقه لولا
المشاكل التي رافقت نقل الغاز بالترانزيت إلى أوروبا عبر أوكرانيا
وبيلاروسيا، والتي أصبحت تقليداً يتزامن مع الاحتفالات بعيد رأس السنة، كان
آخرها في بداية العام 2009 عندما توقفت الإمدادات إلى أوروبا نحو ثلاثة
أسابيع، إثر مشكلات موسكو مع كييف.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي بداية العقد الأخير من القرن الماضي
تقاسمت البلدان المستقلة شبكة نقل النفط والغاز السوفيتية القديمة التي
ربطت حقول الإنتاج في سيبيريا، ومنطقة بحر قزوين، ووسط روسيا مع مختلف
المدن من جهة، ومع بلدان الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية والغربية، وفق
تخطيط مركزي.
واستأثرت أوكرانيا كونها الممر الإجباري لإمدادات الغاز نحو الغرب بنصيب
الأسد من الشبكة السوفيتية، وغدت تملك شبكة ضخمة لنقل الغاز يتجاوز طولها
37 ألف كيلومتر، وتبلغ طاقة استيعاب الشبكة عند الدخول نحو 290 مليار متر
مكعب وعند خروجها من أوكرانيا تمرر 175مليار متر مكعب سنوياً. إضافة إلى
مخازن ضخمة لتخزين الغاز تحت الأرض، وبات مصير ثمانين في المئة من صادرات
الغاز الروسي إلى أوروبا مرتبطاً بالاتفاق مع أوكرانيا حول أسعار
الترانزيت، وعمد بعض الساسة الأوكرانيين إلى استغلال ذلك بالضغط على
الكرملين لشراء الغاز من روسيا بأسعار تفضيلية نظراً لعدم استطاعة أوكرانيا
تغطية معظم حاجتها من الغاز، والظروف الاقتصادية في البلاد بعد تفكك عقد
الاتحاد السوفيتي.
وفي بداية الألفية الجديدة سعت موسكو إلى ضمانات في نقل كميات الغاز
المطلوبة عبر أوكرانيا بأسعار، وشروط، معقولة، وتحصل الأخيرة على
الاستثمارات الضرورية اللازمة لعمل شبكة النقل وتطويرها، في إطار تحالف
دولي يحمي مصالح المنتج، والمستهلك، وبلدان العبور. كما تحصل أوروبا
وخصوصاً ألمانيا،حسب هذه المعادلة، على كامل كميات الغاز المتعاقد عليها مع
روسيا دون انقطاع في الوقت المحدد.
وتم الاتفاق بين فلاديمير بوتين عندما كان رئيساً لروسيا والرئيس
الأوكراني الأسبق ليونيد كوتشما، بحضور المستشار الألماني أنذاك غيرهارد
شرويدر في عام 2002، على ضرورة تحديث شبكات نقل الغاز في أوكرانيا، وإدارة
مشتركة لها عن طريق "كونسيرتسيوم"، تتقاسم كل من "غازبروم" الروسية
و"نفتاغاز" الاوكرانية مناصفة أسهمه، لكن هذه المخططات تعطلت رغم تأسيس"
كونسيرتسيوم دولي لإدارة خطوط نقل الغاز الأوكرانية" في عام 2003 بسبب
التباين الواضح في تفسير صلاحية ومهام التحالف الجديد. ففي حين أصر الجانب
الأوكراني على ضرورة مد خطين جديدين لنقل الغاز عبر الأراضي الأوكرانية
تكون الإدارة مشتركة عليهما، أصر الجانب الروسي على أن الإدارة يجب أن تكون
مشتركة على الشبكة القائمة وأي مشروعات مستقبلية مشتركة. ومات المشروع
عملياً بعد فوز فريق سياسي في كييف يعتبر شبكة نقل الغاز الأوكرانية ثروة
قومية لا يجوز التفريط فيها.
ولم يثن تعطيل المشروع الكرملين وبرلين عن البحث في أفضل السبل لتزويد
ألمانيا بحاجاتها من الغاز الطبيعي، وفي 2005 بارك بوتين وشرويدر اتفاقاً
مبدئياً وقعته شركة "غازبروم" الروسية ، و"إيون" و"باسف" الألمانيتين لبناء
خط "السيل الشمالي.
معادلات جديدة في علاقة روسيا أوروبا في مجال الغاز
من نافلة القول إنه ومع اطلاق مشروع السيل الشمالي تتراجع أهمية خطوط
نقل الغاز الأوكرانية والبيلاروسية، لكنها لا تفقد أهميتها بشكل كامل، ذلك
أن الخط الجديد لا يستطيع استيعاب أكثر من عشرين في المئة من صادرات الغاز
الروسي إلى أوروبا، لكنه يدفع أوكرانيا إلى التفكير جدياً في تحديث شبكة
نقل الغاز فيها، وتخفيف" ابتزازها" لروسيا وأوروبا بقطع الترانزيت، ولعل
الأهم أن أوروبا باتت تلمس أن روسيا مصرة على ضمان أمن الطاقة في القارة
العجوز وفق معادلات جديدة يشارك فيها المنتج والمستهلك في الدورة الكاملة
من البحث والاستكشاف والإنتاج إلى نقل الغاز وتوزيعه إلى المستهلك النهائي.
وما من شك أن بدء ضخ الغاز عبر السيل الشمالي،بعد سنوات طويلة من الجهد
الدبلوماسي الروسي في مجال الطاقة، يشكل دفعة قوية لمساعي الكرملين لنقل
مشروع آخر وهو السيل الجنوبي "ساوث ستريم" من مرحلة الخرائط والدراسات إلى
واقع ملموس على الأرض، خصوصا أن السيل الجنوبي يضمن إيصال الغاز إلى
ثمانية بلدان في منطقة البلقان وجنوب أوروبا التي تضررت أكثر من غيرها في
حروب الغاز مع أوكرانيا في السنوات الأخيرة.